ستنتهي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين في ساعات معدودة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون سفرًا عاديًّا، أو رحلة تجارية يرجعون بعدها وقد قضوا على قوة المسلمين، وغنموا منهم عدتهم وعتادهم وكل شيء لديهم، ولكنهم كانوا يبنون الآمال على شفيرٍ هارٍ، ويقدرون فتضحك الأقدار.
ولقد وقفوا أمام الخندق وقفة المشدوه، وتملكهم العجب واشتدت بهم الحيرة، ولا غرو فهذا العمل كان مفاجأة غير منتظرة، وهذا السلاح جديد في نوعه لم يتعوده العرب من قبل في حروبهم.
وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون -وعددهم حينئذٍ ثلاثة آلاف- يجعلون الخندق بينهم وبين أعدائهم حدًّا فاصلًا، وينظرون إلى تحركاتهم وتجمعاتهم من الجهة المقابلة، وقد أعدوا لكل احتمال عدته، واتخذ كل جندي أهبته، وكانوا يشددون الحراسة على الأماكن الضعيفة ويتبادلونها، حتى لقد كانت للرسول -صلى الله عليه وسلم- نوبته، فكان يخرج إليها أحيانًا في الليل المظلم والبرد القارس.
ولقد عرفت قريش والأحزاب أن الأمد سيطول بهم، وأنهم سيقيمون أمام هذا الخندق ما وسعتهم الإقامة، ولكنهم لن يستطيعوا اقتحامه، وهذه الخيام التي نصبوها قريبًا من الخندق سوف لا تجيدهم فتيلًا إذا فاجأهم ريح عاصف أو سيل جارف. عرفت قريش والأحزاب ذلك كله فتملك نفوسهم همّ بالغ وحزن عظيم، وبدأوا يفكرون ويفكرون ويسيحون في أودية الأوهام والظنون.