بين المسلمين واليهود، والتعاون التام بين الفريقين إذا نزلت شدة بأحدهما أو كليهما.
وكان من الطبيعي -وهذه أخلاقهم، وتلك مبادئهم- ألا يكون هناك مجال لتعاون أو تضامن أو إخلاص من جانبهم، وأن تكون عهودهم ومواثيقهم مرتبطة بمنفعتهم العاجلة كلما لاحت لهم، أو ومضت في سمائهم.
أما الخلق في ذاته والمبادئ في ذاتها فلا وزن لها عندهم، ومن أجل ذلك تراهم يظهرون المودة للرسول -صلى الله عليه وسلم- في أول جوار لهم مع المسلمين. فلما بدأت المطامع تدب في نفوسهم من طرق أخرى سارعوا بالغدر والخيانة، ونقضوا العهود والمواثيق. فكان ذلك البغي من جانبهم شؤمًا عليهم وشرًّا ووبالًا حاق بهم.
فيهود بني قينقاع نكثوا أيمانهم ونقضوا عهدهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبدءوا المسلمين بالعدوان.
ومن ذلك أن امرأة من نساء الأنصار قدمت إلى سوق اليهود من بني قينقاع ومعها حلية لكي تعرضها على صائغ منهم، فجلست إلى صائغ في تلك السوق، فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها وهي تأبى، فجاء يهودي من خلفها في غفلة منها فأثبت طرف ثوبها بشوكة إلى ظهرها. فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحك اليهود، وصاحت المرأة صيحة هي مزيج من الحزن والندم والخجل والاستغاثة، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، واجتمعت اليهود على المسلم فقتلوه.
وحينئذٍ دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رؤساءهم وطلب إليهم أن يكفوا عن أذى المسلمين. وأن يحفظوا عهد المودة والسلام حتى لا يصيبهم ما أصاب قريشًا في