وعرفوا أن قريشًا ستؤازرهم من أجل القضاء على محمد -صلى الله عليه وسلم- واستئصال دعوته وأخذوا منهم موعدًا قريبًا لتنفيذ ذلك، مضوا في طريق الكيد والخصومة إلى نهايته، وأحكموا أطراف المؤامرة، فخرجوا إلى القبائل العربية التي لا تزال تحقد على محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه تتربص بهم الدوائر، ومنهم قبيلة غطفان، وقد حرض اليهود رجالها وأخبروهم بمبايعة قريش لهم على الحرب، ومنهم بنو مرة وبنو أشجع، وبنو سليم وبنو أسد. وقد حرض اليهود رجالهم -كذلك- على حرب محمد -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ووجدوا منهم قبولًا وارتياحًا، واستعدادًا للانضواء تحت لواء قريش في سبيل ذلك الهدف الذي عقدوا عليه الآمال، وظنوه يسيرًا قريب المنال.
وقد لقي اليهود جزاء غدرهم، وحل بهم سوء صنيعهم، وجنوا عاقبة خيانتهم خسرانًا ونكالًا أصابهم في أموالهم وأنفسهم، وهم أحرص الناس على المال والحياة.
فأما بنو قينقاع فقد حاصرهم المسلمون في دورهم خمسة عشر يومًا متتابعة لا يخرج منها أحد، ولا يدخل عليهم بطعام أحد، حتى لم يبق لهم إلا النزول على حكم محمد -صلى الله عليه وسلم- فانتهى الأمر بإخراجهم من المدينة ولهم النساء والذرية، وللمسلمين الأموال، فذهبوا إلى أذرعات بالشام١.
وأما بنو النضير فقد طردوا -كذلك- من ديارهم، على أن يكون لكل ثلاثة بعير يحملون عليه ما شاءوا من مال، أو طعام أو شراب، وأفاء الله ما بقي من أموالهم على المسلمين، وقد ذهب بعضهم إلى خيبر، وسار الآخرون إلى أذرعات بالشام.
١ انظر "البداية" ٣/ ٣-٤ وما قدمته من مصادر هذه الغزوة قبل صفحات.