للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضربه حتى سال دمه، فاستصرخ الخزرجي بقومه، واستصرخ الأجير بالمهاجرين. يقول الخزرجي: يا معشر الأنصار. ويقول أجير عمر: يا معشر المهاجرين١. فأقبل الذعر بين الفريقين وكادوا يقتتلون لولا أن خرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟ " ثم قال: "دعوها فإنها منتنة". ثم أنهى هذا الخصام بحكمته، فرجع المتخاصمان أخوين متحابين.

فلما وصل نبأ هذا الخصام إلى عبد الله بن أبي غضب، وكان عنده رهط من الخزرج فقال: ما رأيت كاليوم مذلة، أو قد فعلوها؟ نافرونا في ديارنا، والله ما نحن والمهاجرون إلا كما قال الأول: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل٢.

ثم التفت إلى من معه وقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم غرضًا للمنايا دون محمد، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عنده.

وقد سمع بعض المسلمين المخلصين٣ هذا الكلام فأسرع إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخبره.

وحينما تأكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صدق كلامه غضب وظهر الغضب في وجهه، فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله في قتله، أو مر أحدًا غيري بقلته.


١ انظر "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢١٧، و"الكامل في التاريخ" ٢/ ١٣١، و"صحيح البخاري" ٨/ ٦٥٢، و"مسلم" ص ١٩٩٨، فقد أخرجا هذه القصة في الصحيح، وانظر ما قدمنا من المصادر لهذه الغزوة.
٢ انظر الحاشية السابقة.
٣ قال المؤلف: هو زيد بن أرقم.
قلت: نعم، لكنه أخبر عَمَّهُ، وأخبر عَمُّه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صح عند الشيخين.

<<  <   >  >>