والتواضع مع عزة النفس، وغير ذلك من مكارم الأخلاق التي يعد الله بها من يختاره للرسالة وقيادة الأمم، وألخص ذلك فيما يأتي:
أولا: حفظ الله على موسى صفاء روحه وسلامة فطرته، فمع أنه عاش في أوساط ظلم وطغيان ولكن لم يتأثر بما يتأثر به من قضى أيامه الأولى من حياته في بيئة استشرى فيها الفساد، وطبعت بطابع الجبروت والاستبداد، ولم يصب بما يصاب به أبناء الوجهاء، ومن يتقلب في النعمة ورغد العيش غالبا من الجهل والاستهتار أو الرخاوة والخلاعة والمجون، بل صانه الله عن كل ما يشينه، وآتاه العلم النافع والحكمة البالغة وسداد الرأي، كما حفظ عليه نعمته من قبل في بدنه {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} .
ثانيا: جبل الله نبيه موسى على الحزم والأخذ بالقوة في نصرة المظلوم، يتجلى ذلك من الخصومة التي كانت بين إسرائيلي وفرعوني، وإنصافه للمظلوم، كما طبعه الله على الرفق بالضعيف والعطف عليه ومد يد المعونة إليه، يتبين ذلك فيما كان منه من النجدة حينما ورد ماء مدين، فوجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء، وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما، فجمع له بين شدة البطش بالظالمين، وكمال الرفق بالمستضعفين.
ثالثا: كان من آثار عناية الله بموسى ورعايته له أن قوى فيه الوعي الديني، واستحكمت الصلة بينه وبين ربه، فأحب ما يحبه الله من العدل والإنصاف، وكره ما يبغضه الله من الظلم والعدوان، لذلك فزع إلى ربه واعترف بظلمه لنفسه حينما قضى القبطي نحبه من وكزته، وأسرع في الأوبة إليه من ذنبه، فغفر الله له، فأخذ على نفسه عهدا ألا يكون ظهيرا للمجرمين، شكرا