الرب سبحانه ومشيئته وحكمته التي اقتضت التخفيض، إلى أن قال: والإحسان إلى المطيعين، والقرب إليهم بالإكرام، وإعلاء درجاتهم يدل على محبته ورضاه، وعقوبته للعصاة والظلمة وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهودة تدل على صفة الغضب والسخط، والإبعاد والطرد والإقصاء يدل على المقت والبغض، فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل.
ولهذا دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الاستدلال بذلك على صفاته، فهو يثبت العلم بربوبيته ووحدانيته وصفات كماله بآثار صنعته المشهودة، فالقرآن مملوء بذلك، فيظهر شاهد اسم الخالق من نفس المخلوق، وشاهد اسم الرزاق من وجود الرزق والمرزوق، وشاهد اسم الرحيم من شهود الرحمة المبثوثة في العالم، إلى أن قال: وهكذا كل اسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره، ويعرفه من عرفه، ويجهله من جهله، فالخلق والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته، وكل سليم العقل والفطرة يعرف قدر الصانع وحذقه وتبريزه على غيره، وتفرده بكمال لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته، فكيف لا تعرف صفات من هذا العالم العلوي والسفلي وهذه المخلوقات من بعض صنيعه.
وإذا اعتبرت المخلوقات والمأمورات وجدتها بأسرها كلها دالة على النعوت والصفات وحقائق الأسماء، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى بمكابرة ويكفي ظهور شاهد الصنع فيك خاصة، كما قال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ، فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب جل جلاله ونعوته وأسمائه، فهي كلها تشير إلى الأسماء الحسنى وحقائقها، وتنادي عليها وتخبر بها بلسان النطق والحال، كما قيل: