للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخير، فإن كان فقيرًا أغنته زهدها وقناعتها، وإن كان غليظًا جافيًا ألانته بعطفها وحلمها، وإن كان عاصيًا كانت قدوة صالحة له بمسلكها مع ربها ومعه، وغير ذلك من الجوانب، والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك.

ثانيًا: أن تكون ذات خلق حسن، لعموم النصوص التي تحض على مكارم الأخلاق, ولأن النكاح يراد للعشرة, ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها، وربما تعدى ذلك إلى ولدها، وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء, فإن ولدها ضياع, وصحبتها بلاء١.

ثالثًا: أن تكون بكرًا، أي: لم يسبق لها الزواج، وقد حثَّ الإسلام على التزوج من البكر خاصة لمجموعة من المزايا قلَّ أن تتوفر في المرأة الثيب وهي التي سبق لها الزواج وخبرت الرجال؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت لو أنك نزلت واديًا فيه شجرة قد أُكِلَ منها, ووجدت شجرًا لم يُؤكَلْ منها, في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: "في الذي لم يرتع منها"، تعني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرًا غيرها٢.

ودلالة هذا الحديث على أفضلية التزوج من البكر ظاهرة تؤخذ من النتيجة التي سلم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذكر مقدماتها من تلك الفصيحة البليغة الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنهما، وكذلك ما في الأبكار من قرب العهد بالصبا, وما يشتملن عليه من الميل إلى الفكاهة واللعب والنظر إلى الحياة بأملٍ ورغبةٍ في الاستمتاع, وذلك واضح مما جاء في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما, الذي أخرجه مسلم بروايات متعددة كلها تدور حول المعنى السابق، ومنها رواية عمرو بن دينار, عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما, أن عبد الله -أي: والده- هلك وترك تسع بنات أو قال: سبعًا, فتزوجت امرأة ثيبًا، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا جابر, تزوجت؟ " قال: قلت: نعم، قال: "فبكر أم ثيب؟ " قال: بل ثيب يا رسول الله، قال: "فهلا جارية


١ مغني المحتاج جـ٣/ ١٢٧, وكشاف القناع جـ٥/ ٩.
٢ البخاري كتاب النكاح, باب: نكاح الأبكار.

<<  <   >  >>