للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصل في هذا ما قضى به عمر -رضي الله عنه, فيما رواه الأشرم والجوزجاني بإسنادهما١, عن عبيد بن عمير قال: "فُقِدَ رجل في عهد عمر, فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين, ففعلت ثم أتته، فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرًا، ففعلت ثم أتته، فقال: أين وليّ هذا الرجل؟ فقال: طلقها، ففعل، فقال لها عمر: انطلقي فتزوجي من شئت، فتزوجت٢ وقد قضى به بعد ذلك عثمان وعلي وابن الزبير -رضي الله عنهم.

- وذهب بعض أهل العلم إلى أن امرأة المفقود لا تتزوج حتى يتبين موته أو فراقه؛ لأنه شك في زوال عصمة الزوجية, فلم تثبت به الفرقة.

وفي كلا القولين تثبت لها النفقة في ماله, وإن لم يكن له مالٌ أو كان ولم يمكن الإنفاق, فإنها تطلب التطليق للإعسار عند الجمهور.

وإن اختارت زوجة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها النفقة ما دام حيًّا، وينفق عليها من ماله حتى يتبين حاله؛ لأنها محكوم لها بالزوجية فتجب لها النفقة.

فإذا تبيَّنَ أنه مات أو فارقها فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه, ويرجع عليها بالباقي، وقيل: لا يرجع إلّا من يوم علمها.

ولا يُقسَّمُ مال المفقود إلّا في الوقت الذي تُعْلَمُ فيه وفاته, أو بعد أجلٍ يظهر فيه وفاته؛ لأن البقاء هو الأصل فلا يزول منه بالشك، وإنما أعطيت الزوجة فرصة التزويج بعد مدة قصيرة نسبيًّا حتى لا يطول عليها الضرر.

وإن شهد ثقات بوفاة المفقود فاعتدت زوجته للوفاة, أبيح لها أن تتزوج, فإن عاد الزوج الأول بعد ذلك فحكمه حكم المفقود٣.


١ عزاه إليهما في المعنى.
٢ رواه عبد الرزاق في "المصنف", وابن أبي شيبة والبيهقي في "سننه" بأسانيد صحيحة.
٣ يرجع إلى هذه الأحكام بتوسع في: المغني جـ٧ من ص٤٨٨ إلى ص٤٩٧, والشرح الكبير جـ٢ ص٤٧٩, وما بعدها.

<<  <   >  >>