للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكافل, وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تتفتح للحياة, وتفسر الحياة, وتتعامل مع الحياة.

ونظرًا لأن الطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولةً؛ إذ هي فترة إعداد وتهيؤ وتدريب للدور المطلوب منه في الحياة في باقي حياته، لذا كانت حاجته لملازمة أبويه أشد من حاجة أيّ طفل لحيوان آخر، وكانت الأسرة المستقرة الهادئة ألزم للنظام الإنساني وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة.

وقد أثبتت التجارب العملية أن أيَّ جهاز آخر غير جهاز الأسرة لا يعوّض عنها ولا يقوم مقامها, بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وتربيته, ولاسيما نظام دور الحضانة الجماعية التي أرادت بعض النظم المتعسفة أن تستعيض بها عن نظام الأسرة.

ومن أعجب العجب أن نجد كثيرًا من الفلسفات المعاصرة بدأت تشجع عمل المرأة وتركها للمنزل أكبر فترة ممكنة تاركةً أبناءها إما للحاضنات أو للخادمات، وهي تضحية كبيرة بأعلى رصيد للمستقبل وهم الأطفال, في مقابل ما يسمى بزيادة دخل الأسرة أو تكوين شخصية المرأة وغير ذلك من الدعاوى١.

٤- عمارة الأرض:

إن الأسرة هي العماد الذي يقوم عليه كل ما ينشأ في هذه الحياة من مظاهر التحضر والعمران, لذلك شاءت إرادته تعالى حينما أزف رحيل آدم -عليه السلام- من الجنة ليهبط إلى الأرض ليبدأ الحياة والعمران -كما سبقت بذلك الإرادة- أن خلق له من نفسه من تشاركه في هذه الحياة وفي إقامة هذا العمران؛ حيث يتولى هو بما أوتي من قدراتٍ عقلية وبدنية تهيئة الأسباب المادية لهذا العمران, وتتولى هي تهيئة ما


١ المرأة في ظلال القرآن ص١٢، ١٣ بتصرف.

<<  <   >  >>