للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنه قال: أيقولن، والنظائر فيه كثيرة جدًّا.

ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "إِلَى الْفِتْنَةِ رُكِّسُوا فِيهَا"١ مثقل بغير ألف.

قال أبو الفتح: وجه ذلك أنه شيء بعد شيء؛ وذلك لأنهم جماعة، فلما كانوا كذلك وقع شيء منه بعد شيء فطال، فلاق به لفظ التكثير والتكرير، كقولك: غلَّقتُ الأبواب، وقطَّعتُ الحبال، وقد يكون معنى التكرير مع لفظ التخفيف، أنشد أبو الحسن:

أنت الفداء لقبلة هدَّمْتَها ... ونَقَرتها بيديك كلَّ مُنَقَّر

فصار "ونقرتها" كأنه قال: ونقَّرتها، يدل عليه مصدره الذي هو "مُنَقَّر". وهذا ونحوه مما يدل على اشتمال لفظ الأفعال على معاني الأجناس، حتى إن اللفظة الواحدة تصلح لكثيره صلاحها لقليله.

ومن ذلك قراءة الزهري فيما رواه عنه الوقاصي: "إلا خَطًا"٢ مقصورًا خفيفًا بغير همز.

قال أبو الفتح: أصله خطأً بوزن خَطَعًا كقراءة العامة، غير أنه حذف الهمزة حذفًا على ما حكيناه عنهم من قولهم: جَا يجَى، وسَا يسُو. وهذا ضعيف عند أصحابنا وإن كان قد جاء منه حروف صالحة، إلا أنه ليس تخفيفًا قياسيًّا؛ وإنما هو حذف وخبط للهمزة ألبتة، وقد ذكرناه فيما قبل. ويجوز أن يكون أبدل الهمزة إبدالًا على حد قَرَبْتُ، فجرى مجرى عصا ومطا.

ومن ذلك قراءة إبراهيم: "إِنَّ الَّذِينَ تُوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ"٣.

قال أبو الفتح: معنى هذا كقولك: إن الذين يُعَدُّون على الملائكة يُرَدُّون إليهم يحتسبون عليهم، فهو نحو من قولك: إن المال الذي تُوفَّاه أَمَةُ الله؛ أي: يُدفع إليها ويحتسب عليها، كأن كل ملَك جُعل إليه قبض نفس بعض الناس، ثم مُكن من ذلك ووفيه، أو كأن ذلك في بعض الملائكة، فجرى اللفظ على الجميع، والمراد البعض على ما مضى في هذا الكتاب.


١ سورة النساء: ٩١.
٢ سورة النساء: ٩٢.
٣ سورة النساء: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>