للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا يكذبوا؛ وإنما تمنوا الرد، وضَمِنوا أنهم إن رُدوا لم يكذِّبوا، وعليه جاء قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} ١. وعليه قول الآخر:

فَلَقَد تَرَكتِ صِبيَّةً مَرحومَة ... لَم تَدرِ ما جَزَعٌ عَلَيك فَتَجزَعُ٢

والقوافي مرفوعة؛ أي: هي تجزع، ولو كان جوابًا لقال فتجزعا، وقد ذكرنا هذا ونحوه في كتابنا الموسوم بالتنبيه، وهو تفسير مشكل أبيات الحماسة.

ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ"٣ برفع الكافين، قال ابن مجاهد: وهذا مردود في العربية.

قال أبو الفتح: هو لعمري ضعيف في العربية، وبابه الشعر والضرورة، إلا أنه ليس بمردود؛ لأنه قد جاء عنهم. ولو قال: مردود في "٤٤ظ" القرآن لكان أصح معنى؛ وذلك أنه على حذف الفاء، كأنه قال: فيدركُكُم الموت، ومثله بيت الكتاب:

مَن يَفعَلِ الحَسَناتِ اللهُ يَشكُرُها ... وَالشَرُّ بِالشَرِّ عِندَ اللهِ مِثلانِ٤

أي: فالله يشكرها، ومثله بيته أيضًا:

بنو ثُعل لا تنكَعوا العنز شِرْبَها ... بني ثعل من ينكَع العنزَ ظالِم٥

فكأنه قال: فهو ظالم، فحذف الفاء والمبتدأ جميعًا، إلا أنه لما ترك هناك اسم الفاعل فهو لشبهه بالفعل كأنه هو الفعل؛ فيصير إلى أنه كأنه قال: من ينكع العنز يَظْلِمُ، وشَبَهُ الفعل في هذه اللغة أفشى من الشمس، حتى إنهم استجازوا لذلك أن يُولُوه نون التوكيد المختصة بالفعل، فقالوا:

أَريتَ إن جئتُ به أُملودا ... مُرَجَّلا ويَلبس البُرودا

أَقائِلُن أَحضِرِي الشهودا٦


١ سورة الأنعام: ٢٨.
٢ لمويلك المزموم يرثي امرأته. الحماسة: ١/ ٣٨١، والخزانة: ٣/ ٦٠٤.
٣ سورة النساء: ٧٨.
٤ لحسان، وانظر: الكتاب ١: ٤٣٥.
٥ لرجل من بني أسيد. لا تنكعوا: لا تمنعوا، الشرب: النصيب. وانظر: الكتاب: ١/ ٣٦٠.
٦ من قصة هذا الرجز أن رجلًا من العرب أتى أمة له، فلما حبلت جحدها وزعم أنه لم يقربها، فقالت هذا الرجز.
تريد أخبرني أن ولدت ولدًا هذه صفته أتقول لي: أحضري الشهود على أن هذا الولد منك؟ إنك لن تقول ذلك وإنما ترضى بالولد، فأصبر فعسى أن أجيء بما يقر عينك. ويروى: "جاءت" مكان "جئت"، و"أحضروا" مكان "أحضري". انظر: الخزانة ٤/ ٥٧٤، وشرح الكامل للمرصفي ١/ ٩٧، واللسان "رأي"، والخصائص: ١/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>