للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقولك: ترافعنا إلى الحاكم، كذلك قولك للرجل: تعال، كقولك له: تقدم. وأصله أن التقدم تعالٍ، والتأخر انخفاض وتراخٍ، فافهمه.

ومن ذلك قراءة الحسن أيضًا: "لَيَقولُن"١ بضم اللام على الجمع. قال عبد الوارث٢: سئل أبو عمرو٣ عن قراءة الحسن: "لَيَقولُن" برفع اللام، فسكت.

قال أبو الفتح: أعاد الضمير على معنى "مَنْ" لا على لفظها الذي هو قراءة الجماعة؛ وذلك أن قول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} ٤ لا يُعنى به رجل واحد؛ لكن معناه أن هناك جماعة هذا وصف كل واحد منهم، فلما كان جمعًا في المعنى أعيد الضمير على معناه دون لفظه، كقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ٥، الحال فيهما واحدة، وكأن الموضع لحقه احتياط في اللفظ؛ خوفًا من إشكال معناه، فضُمَّ اللام من "ليقولُن" ليُعلم أن هذا حكم سارٍ في جماعة، ولا يُرى أنه واحد ولا أكثر منه، فاعرفه.

ومن ذلك قراءة الحسن ويزيد النحو: "يا لَيتَني كنْتُ معهم فأفوزُ فوزًا عظيمًا"٦ بالرفع، قال روح: لم يجعل لليت جوابًا.

قال أبو الفتح: محصول ذلك أن يتمنى الفوز، فكأنه قال: يا ليتني أفوز فوزًا عظيمًا، ولو جعله جوابًا لنصبه؛ أي: إن أكن معهم أفز، هذا إذا أصبحت بالشرط، إلا أن الفاء إن دخلت جوابًا للتمني نُصب الفعل بعدها بإضمار أن، وعُطف أفوز على كنت معهم لأنهما جميعًا متمنيان، إلا أنه عطف جملة على جملة لا الفعل على انفراده على الفعل؛ إذ كان الأول ماضيًا والثاني مستقبلًا.

وذهب أبو الحسن في قوله عز وجل: "يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"٧ بالرفع إلى أنه عطف عل اللفظ، ومعناه معنى الجواب: قال: لأنهم لم يتمنوا


١ سورة النساء: ٧٣.
٢ هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان أبو عبيدة التنوري العنبري مولاهم البصري، إمام حافظ مقرئ ثقة، ولد سنة ١٠٢، وعرض القرآن على أبي عمرو ورافقه في العرض على حميد بن قيس المكي، روى القراءة عنه ابنه عبد الصمد وغيره، مات سنة ١٨٠ بالبصرة. طبقات القراء: ١/ ٤٧٨.
٣ في هامش الأصل: "في الأصل: سئل عمرو".
٤ سورة النساء: ٧٢.
٥ سورة يونس: ٤٢.
٦ سورة النساء: ٧٣.
٧ سورة الأنعام: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>