للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحو منه لفظًا قولهم: ظَبْي شادن: أي قد قوي واشتد، والشين أخت الجيم، والنون أخت اللام. ونحو منه قولهم: عطَوت الشيءَ: إذا تناولتَه، وقالوا: أتيت عليه: إذا ملكتَه واشتملت عليه. والعين أخت الهمزة، والطاء أخت التاء، والواو أخت الياء. وهذا باب من اللغة لعله لو تُقرِّيَتْ لأَتى على أكثرها، وقد أَتيتُ على كثير منه في كتاب الخصائص١.

ولولا أن القراء لا ينبسطون في هذه الطريق لنبهت على كثير منه. لا، بل إذا كان منتحلو هذا العلم والمترسمون به قلَّما تَطُوع٢ طباعهم لهذا الضرب منه، وإن اضطروا إلى فهم شيء من جملته أظهروا التجاهل به، ولم يشكروا الله عز وجل على ما لاح لهم وأعرض من طريقه؛ جريًا على عادة مستوخَمة، وإخلادًا إلى خليقة كرِهة مستوبَلة حسدًا يريهم٣ ونَغَلًا٤ يُجويهم. وما أقلهم مع ذلك عددًا! وكذلك هم بحمد الله ولو ضوعفوا مددًا، فما ظنك بالقراء لو جُشموا النظر فيه والتقري لغروره ومطاويه؟ جعلنا الله ممن يأوي إلى طاعته، وأودعنا أبدًا شكر نعمته.

ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب -عليه السلام- وعروة٥ بن الزبير وأبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد: "ونادَى نُوحٌ ابنَهَ"٦، ورُوي عنه عروة: "ابْنَها". وقرأ: "ابْناه" ممدوة الألف السدي٧ على النداء، وبلغني أنه على التَّرَثي٨، ورُوي عن ابن عباس: "نُوحٌ ابنَهْ" جزم.

قال أبو الفتح: أما "ابنَهَ" فإنه أراد ابنها، كما يُروى عن عروة فيما قرأ: "ابنها"؛ يعني: ابن امرأته؛ لأنه قد جرى ذكرها في قوله سبحانه: {وَأَهْلَكَ} ٩، فحذف الألف تخفيفًا، كقراءة


١ الخصائص: ٢/ ١٤٥.
٢ تطوع: تنقاد.
٣ يفسد طويتهم، من روى القيح جوفه: أي أفسده.
٤ ونغلًا يجويهم: أي ضغنًا يفسد نفوسهم ويميل بها عن الجادة.
٥ هو عروة بن الزبير بن العوام أبو عبد الله المدني. وردت الرواية عنه في حروف القرآن. روى عن أبويه وعائشة، وروى عنه أولاده والزهري وجماعة. مات سنة ٩٣ أو سنة ٩٥. طبقات ابن الجزري: ١/ ٥١١.
٦ سورة هود: ٤٢.
٧ هو إسماعيل بن عبد الرحمن، تابعي حجازي الأصل. سكن الكوفة. وكان إمامًا عارفًا بالوقائع وأيام الناس. الأعلام: ١/ ٣١٣.
٨ الترثي: الندبة، كما سيأتي.
٩ سورة هود: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>