للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمسلة. كما قالوا: أجربة١، قالوا: سالت معنانه٢. فحذفوا ياء معين، وهو من العيون، وأجروها مجرى ياء قفيز وقفزان الزائدة. هذا هو الظاهر. فأما قولهم: مَسِيل ومُسُل، وأَمْعَنَ بحقِّهِ: إذا أجاب إليه وانقاد له -فقد يجوز أن يكون إنما ساغ ذلك لما سمعوهم يقولن: مُعْنَان [١٠٣ظ] وأمْسِلَة، كما قال أبو بكر في قولهم٣ ضَفنَ الرجلُ يضفِنُ إذا جاء ضيفًا مع الضيف: لما قالوا ضيفَنَ، فأشبه فيعلا٤. فصارت النون في ضيفن كالأصل، إلا أن فَيْعَلا أكثر من فَعْلَن. فاشتُقَّ منه على أقوى ما يجب في مثله؛ فثبتت النون في ضَفَن لاما وإن كانت في ضَيْفَن زائدة. فكذلك شبهوا ياء "أدري" بياء غلامي وداري من حيث ذكرنا. فاعرفه معنى كالعذر أو عذرا.

ومن ذلك قراءة أبي جعفر: "قُلْ رَبُّ احْكُمْ"٥ بضم الباء، والألف ساقطة على أنه نداء مفرد.

قال أبو الفتح: هذا عند أصحابنا ضعيف، أعني حذف حرف النداء مع الاسم الذي يجوز أن يكون وصفا لأي. ألا تراك لا تقول: رجل أقبل؛ لأنه يمكنك أن تجعل الرجل وصفا لأي. فتقول: يأيها الرجل؟ ولهذا ضعف عندنا قول من قال في قوله "تعالى": {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ٦: إنه أراد يا هؤلاء. وحذف حرف النداء من حيث كان "هؤلاء" من أسماء الإشارة، وهو جائز أن يكون وصفا لأي في نحو قوله:

ألا أيُّها ذا المنزِلُ الدارِسُ الذي ... كأنَّكَ لم يعهدْ بِكَ الحيَّ عاهِدُ٧


١ الأجربة: جمع الجريب، ومن معانيه: الوادي، والمزرعة.
٢ المعنان: مجاري الماء في الوادي. وقد أورده الصحاح واللسان والقاموس في "معن"، وذكر في اللسان أنه قد يكون مفعولا من العيون، أو من عنت الماء، أي: استنبطته، وقد يكون فعيلا من المعن.
٣ في ك: كلامهم.
٤ أي: وإنما هو فعلن.
٥ سورة الأنبياء: ١١٢.
٦ سورة هود: ٧٨.
٧ البيت لذي الرمة، ويروى صدره:
ألا أيها الربع الذي غير البلى
يقول: كأن هذا المنزل لدروسه لم يقم به أحد، ولا له به عهد، انظر الديوان: ١٢٢، والكتاب: ١: ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>