للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن البعض الآخر زعموا أن العرب صرفوا عن التعرض للقرآن مع كونه في مقدورهم، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه، بمعنى أنهم لم يأتوا بمثله سابقًا، غير أنه لا يخرج عن حدود قدرتهم لولا أنه حيل بينهم وبين ممارسة ذلك الاقتدار". (١)

الفصل الثاني القول بالصَّرْفة (عرض- ومناقشة- وتفنيد)

وفيه ثلاثة مباحث

المبحث الأول: مصدر القول بالصَّرْفة

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: المصدر الأول لفكرة القول بالصَّرْفة

لقد أجمعت الأمة سلفًا وخلفًا على أن القرآن معجز بذاته، وأن إعجازه بذاته لا بسبب خارج عنه، وقد بذلوا مهجهم في بيان أوجه إعجازه.

ومن ذهب إلى القول بالصَّرْفة أراد بذلك أن " إعجاز القرآن أمرًا خارجًا عنه ".

ويعزى القول بالصَّرْفة عند الباحثين الى أنه من التيارات التي وفدت علينا من الخارج … وأن بعض فلاسفة المسلمين، وقفوا على أقوال البراهمة في كتابهم - الفيدا - (٢)، (٣) وهو يشتمل على مجموعة من الأشعار والآداب ليس في كلام الناس ما يماثلها - في زعمهم -، ويقول جمهور علمائهم: - إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثله … ، لأن - براهما- (٤) صرفهم عن أن يأتوا بمثلها ........

وقد لاقى هذا الرأي انتقاضًا من أحد الباحثين. محتجًا بأن البراهمة لم يقولوا مثل أشعار الفيدا احترامًا لها، وليس بمقتضى التكوين، ثم إن كلام البراهمة في الفيدا كان محل سخرية العقل الإسلامي، فلا مستنصر لهذا الرأي. (٥)

وكل هذا لا ينكر وجود التأثر، فالتأثر برأي لا يوجب نقله كاملًا، كما أن السخرية بالبراهما قد تؤدي إلى تنزيل الصرف على القرآن، وإن كان من وجه مختلف لأنه الكتاب المعجز حقًا. (٦)

وفي نحو ذلك يقول أبو الريحان البيروني (ت: ٤٣٠ هـ) في كتابه - ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة - ما نصه:

" إن خاصتهم يقولون إن في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها، ولكنهم ممنوعون عن ذلك احترامًا لها، ولم يبين - البيروني وجه المنع، أهو منع تكليفي يسبقه الإيمان بهذه الكتب، وتكون دلائل وجوب الإيمان من نواح أخرى .. ؟ أم هو منع تكويني .. بمعنى: أن -براهما- صرفهم بمقتضى التكوين عن أن يأتوا بمثلها … ؟ وهذا الأخير هو الظاهر، لأنه هو الذي يتفق مع قول جمهور علمائهم، وما اشتهروا به من أن القول بالصرفة نبع في واديهم …

المطلب الثاني: وفود القول بالصَّرْفة، ومصدر تلقيها والترويج لها

ولقد وفدت إلينا هذه الفكرة عندما ترجمت الفلسفة الهندية في عهد - أبي جعفر المنصور (وهو الخليقة الثاني من خلفاء بني العباس ت: ١٥٦ هـ)، فتلقف الذين يحبون


(١) - الجامع لأحكام القرآن: (١/ ٧٦).
(٢) -المعجزة الكبرى القرآن لمحمد أبو زهرة ص ٧٦.
(٣) - والفيدا: كتاب يشمل أربعة كتب مقدسة للهندوس، وقد كتب باللغة السنسكريتية - يُنظر كتاب: مشكلة الألوهية د. محمد غلاب - ص ٩٧. ويُنظر: موسوعة المورد: للبعلبكي - ج ١٠/ ص ٨٢.
(٤) - براهما: من آلهة الهندوس، وهو عندهم مرادف للمطلق الأعلى أو (الأتمان) - يُنظر: المرجع السابق ص ٩٨
(٥) - يُنظر: الإعجاز البياني: د. محمد أبو موسى ص ٣٥٨. ط ٢. مكتبة وهبة: ١٤١٨ هـ.
(٦) - عن مدونة: نورة الشريف: بتاريخ: ١٣/ ٦/ ٢٠٠٨ م.

<<  <   >  >>