للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل وافد من الأفكار، ويركنون إلى الاستغراب في أقوالهم، هذه الفكرة الغريبة الوافدة، واعتنقوا هذا القول وطبقوه على القرآن، وإن كان لا ينطبق، فقال قائلهم: إن العرب اذ عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن، ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه، ومعانيه، ونسجه ونظمه، بل كان لأن الله تعالى صرفهم عن أن يأتوا بمثله … " (١)

فلا غرابة في انتقال قول - البراهمة - في كتابهم المقدس - الفيدا - إلى بعض المسلمين، عن طريق الذين يتلقفون كل وافد من الأفكار، وهي ليست أول وآخر فكرة انتقلت من الفكر البراهمي إلينا، يعرف ذلك كل من وقف على حقيقة ذلك الفكر.

إن رواج فكرة - الصَّرْفة - يؤدي الى أن القرآن الكريم ليس في درجة من الفصاحة والبلاغة تمنع محاكاته، وتعجز القدر البشرية عن أن تأتي بمثله، فالإعجاز القرآني عند القائلين - بالصَّرْفة - ليس من صفات القرآن الذاتية، وبالتالي ما دامت بلاغة القرآن لا تزيد على بلاغة سائر الناس، فمؤدى كلامهم: أن يكون القرآن من جنس

كلام البشر (٢)

وحول كيفية انتقال القول بالصرفة إلى رحاب المسلمين يوضح ويجلي ذلك

الرافعي حيث يقول رحمه الله: (٣)

"لما نجَمَت آراء المعتزلة بعد أن أقبل جماعة من شياطينها على دراسة كتب الفلسفة مما وقع إليهم عن اليونان وغيرهم نبغت لهم شؤون أخرى من الكلام، فمزجوا بين تلك الفلسفة على كونها نظرًا صرفًا، وبين الدين على كونه يقينًا محضًا … فذهب شيطانُ المتكلمين أبو إسحاق إبراهيم النَّظام (٤) إلى أن الإعجاز كان بالصَّرْفة، وهي أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها فكان هذا الصرف خارقًا للمادة (٥).

وقد تكلم عدد من الباحثين حول قضية نشأة القول بالصرفة وذكروا أقوالًا مفادها أنه

لا علاقة بالبراهمة بهذا القول، ولا يوجد أحد من القدامى أشار أو نبه على ذلك الأمر.

ومما ذكر في ذلك قول أحد الباحثين:

" .... ويبدو الرأي الثاني - أي أن هذا القول من بيئة العرب قولًا خالصًا لا من غيرهم - في نظري هو الأقرب للصواب، نظرًا لعدم ورود أي إشارة من العلماء القدامى الذين تحدّثوا عن هذه القضية تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى كون الفكرة مستقاة من البراهمة أو من غيرهم ". (٦).

المطلب الثالث: أقوال العلماء في إثبات تلقي النَّظام لفكرة القول بالصرفة

ويبدوا أن أصحاب هذا الرأي لم يقفوا على ما ذكره بعض المتقدمين، ونسوق بعض أقوالهم ليتبين ويتضح بالبرهان الساطع منشأ القول بالصَّرْفة ومصدر تلقيه الأول كان من البراهمة، وأن أصحاب هذا الرأي قد أصابوا الحق فيه ومن هذه الأقوال


(١) يُنظر: المعجزة الكبرى - القرآن: لمحمد أبي زهرة - ص ٦٩ - ٧١، طبع دار الفكر العربي بالقاهرة - (د- ت).
(٢) - إعجاز القرآن الكريم بقلم: سامي عطا الجيتاوي-عن موقع دنيا الوطن، بتاريخ: ١٥/ ٦/ ٢٠٠٦ م. بتصرف.
(٣) - مصطفى صادق الرافعي (١٢٩٨ - ١٣٥٦ هـ = ١٨٨١ - ١٩٣٧ م)، مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعى:
عالم بالأدب، شاعر، من كبار الكتاب. أصله من طرابلس الشام، ومولده في بهتيم (بمنزل والد أمه) ووفاته في طنطا (بمصر) أصيب بصمم فكان يكتب له ما يراد مخاطبته به. شعره نقي الديباجة، على جفاف في أكثره. ونثره من الطراز الأول. له عدد من الدواوين الشعرية و الأدبية، وغيرها من المصنفات.
يُنظر: المنتخب من أدب العرب ١: ٥٥ ومحمود بسيوني، في مجلة الرابطة العربية ١٨ ربيع الأول ١٣٥٧ والمقتطف ٧٣: ٣٥٢ وتراجم علماء طرابلس ٢١١ في آخر ترجمة عمه عبد الحميد بن سعيد الرافعي ومعجم المطبوعات ٩٢٦ والفهرس الخاص - خ وتعليقات عبيد.
مع تصرف واختصار يسير من الباحث.
(٤) - إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري أبو إسحاق النظّام، من أئمة المعتزلة، ذكروا أن له كتبًا كثيرة في الفلسفة والاعتزال، وقال عنه الجاحظ: في كل ألف سنة رجل لا نظير له فإن كان ذلك صحيحًا فأبي إسحاق من أولئك. (ت: ٢٣١ هـ). الأعلام: (١/ ٤٣)، فوات الوفيات: (١/ ٢٣).، وقيل: (ت: ٢٢٤ هـ).
(٥) - الرافعي، مصطفى صادق بن عبد الرزاق، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثامنة - ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٥ م، (ص ١٠١).
(٦) - التركي، إبراهيم بن منصور، القول بالصرفة في إعجاز القرآن الكريم، بحث منشور على الشبكة بصيغة: بي دي إف، (ص: ٧).

<<  <   >  >>