للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد، يقرر ما أجاب على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل؛ فسمي هو وأصحابه معتزلة (١). ولأجل هذا سمَّاهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها (٢).

وكان علماء التابعين في ذلك العصر مع أكثر الأمة يقولون: إن صاحب الكبيرة من أمة الإسلام مؤمن؛ لما فيه من معرفته بالرسل والكتب المنزلة من الله تعالى، ولمعرفته بأن ما جاء من عند الله حق، ولكنه فاسق بكبيرته، وفسقه لا ينفي عنه اسم الإيمان والإسلام، وعلى هذا القول مضى سلف الأمة من الصحابة وأعلام التابعين. (٣)

خامسًا: انتشارها

ولقد "انتشرت حركة الاعتزال في أنحاء الممالك الإسلامية واستقطبت شخصيات بارزة، أمثال: واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبي الهذيل العلاف، وإبراهيم النَّظام وغيرهم، وقد كان لهذه الشخصيات تأثير بعيد المدى في مختلف ميادين الحياة العقلية، فنظرية المعرفة عندهم كانت تستند على العقل، كونهم أطلقوا العنان للعقل في البحث في جميع المسائل من غير أن يحده أي حد، وجعلوا له الحق في أن يبحث في السماء، وفي الأرض، وفي ذات الله تعالى، وفي الإنسان، وفيما دق وجل. " (٤)

سادسًا: انقسامها

لقد انقسمت المعتزلة إلى فرق شتى، تسمى كل منها باسم زعيمها، ومن أبرز تلك الفرق:

أ- الواصلية: (أصحاب واصل بن عطاء المخزومي- مولاهم-) (ت: ١٣١ هـ)

ب- النَّظامية: (أصحاب إبراهيم بن سيار النَّظام). (ت: ١٨٥ هـ)

ج- الجاحظية: (أصحاب الجاحظ) أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري (ت: ٢٥٥ هـ)

سابعًا: أصوله مذهبها

ورغم عن هذا الانقسام، إلا أن ثمة أصول خمسة ظلت تجمع فرق المعتزلة ألا وهي: التوحيد، العدل، الوعد، الوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي نحو ذلك يقول الخياط أحد كبرائهم في كتابه "الانتصار":

" ليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس، فهو معتزلي". (٥)

ثامنًا: أبرز أسباب توسع أفكارها عن الأصول الخمسة

إن المعتزلة كغيرها من الفرق بدأت بأفكار ومعتقدات مختصرة ومحدودة ومحصورة في أصولهم الخمسة التي


(١) - الشهرستاني: الملل والنحل ١/ ٦١، ٦٢.
(٢) -البغدادي: الفرق بين الفرق: (ص ١٠٥).
(٣) -المرجع السابق نفسه: (ص ١٠٨).
(٤) - ضحى الإسلام - أحمد أمين: (٣/ ٨٦). بتصرف.
والكاتب "أحمد أمين" -هذا- أحد رؤوس العصرانيين " العقلانيين " في عصرنا، ممن عظموا العقل حتى ردوا به أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم، وانتصروا للمعتزلة ضد أهل السنة - وطالع ما يقول عنه ولده جلال في مذكراته: (ص ٣٠٣ - ٣٠٤) يتبين لك أمر الرجل.
(٥) - الانتصار: (ص: ١٢٦).

<<  <   >  >>