للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الإسلام". (١)

قال القرطبي رحمه الله: (ت: ٦٧١ هـ)

"قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكلُّ مَنْ ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله: فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طردًا: مَنْ خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدِّلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، والظلم، وتطميس الحق، وقتل أهله، وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ، والأهواء والبدع". (٢)

المطلب الأول: أول من قال بالصَّرْفَةِ من المعتزلة

كان إبراهيم النَّظام الذي هو أحد رؤوس هؤلاء المعتزلة، هو أول من قال بالصَّرْفَةِ منهم وفي ذلك يقول عنه محمد أبو زهرة:

"فهو أول من جاهر به، وأعلنه ودعا إليه، ولاحى عنه، كأنه مسألة من مسائل علم الكلام، ونقول إنه أول من جهر به، ولا نقول إنه أول من فكر فيه، أو أول من ابتدأ القول به، لأن الأفكار لا يعرف ابتداؤها وهي تتكون في خلاياها، بل لا تعرف إلا بعد أن تظهر، ويجاهر بها.

جاهر بها، وكان ذا فصح وبيان وحجة وبرهان، وإن لم يكن مستقيم الفكر، بل إنه يظن الظن فيحسبه يقينًا، ثم يبني عليه ويقايس، ويصحح القياس والتنظير بين الأشياء، بينما الأصل ذاته يحتاج إلى قياس صحيح". (٣).

يقول عنه تلميذهُ الجاحظ: (ت: ٢٥٥ هـ)

"وَإنما كان عيبُهُ الذي لا يفارقه سوءَ ظنِّهِ وجَودة قياسِهِ عَلَى العارض والخاطر،

كان يظنُّ ثمَّ يقيس عليه وينسى أنَّ بدءَ أمرِه كان ظَنًّا فإذا أتقنَ ذلك وأيقنَ جَزَم عليهِ". (٤)

"ولم يكن رد الجاحظ على شيخه رد المجادل المحاور، ولكنه كان بالعمل، فقد كان أول من كتب في إعجاز القرآن من الناحية البيانية؛ ليكون الرد على الصرفة ببيان الإعجاز الذاتي". (٥)

وليتجلى الأمر بصورة أوضح

فقد "كان النَّظام - ابراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري من الموالي، وإليه تنتسب الفرقة النظامية (٦) -أول من اقترن اسم الصَّرْفَةِ باسمه، واشتهر أنه أول المنادين بها، وقيل له - النَّظام - لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، تتلمذ على خاله أبي الهذيل العلاف في الاعتزال، ثم انفرد عنه وكون مذهبًا خاصًا به، مات في ريعان شبابه (سنة ٢٣١ للهجرة) عن ست وثلاثين عامًا، وكان أستاذ - الجاحظ - (٧)، ترجم له أبو منصور البغدادي - في كتابه - الفرق بين الفرق - عند ذكره الفرقة النظامية فقال: - (عاشر النَّظام في شبابه قومًا من الثنوية (٨) وقومًا من السمنية (٩) القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالط قومًا من ملاحدة الفلاسفة، ثم


(١) -شرح النووي على مسلم: (٣/ ١٣٦، ١٣٧).
(٢) - التذكرة في أحوال الموتى والدار الآخرة: (ص ٣٥٢)
(٣) - يُنظر: أبو زهرة، المعجزة الكبرى للقرآن، ص: ٥٩، الشاملة الحديثة.
(٤) - الحيوان للجاحظ: (٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠ (.
(٥) - يُنظر: أبو زهرة، المعجزة الكبرى للقرآن، (ص: ٥٩)، الشاملة الحديثة.
(٦) -النظامية أصحاب إبراهيم بن سيار بن هانئ النظّام طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة. يُنظر: الملل والنحل-الشهرستاني: (١/ ٦١).
(٧) -المعتزلة - زهدي حسن جار الله - منشورات النادي العربي في يافا - ١٩٤٧ م - ص ١٢٠ - ١٢٩.
(٨) -الثنوية: قوم يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، يُنظر: الملل والنحل: للشهرستاني: الإمام أبي الفتح بعد الكريم (ت: ٥٨٤ هـ) ج ١/ ص ٨٠ بهامش الفصل. دار صادر - بيروت.
(٩) - السمنية: فرقة هندية قالت بقدم العالم وبتناسخ الأرواح -يُنظر: الفرق بين الفرق - للبغدادي الفصل الثاني عشر ص ٢٧٠.

<<  <   >  >>