للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمدًا فأتوا بسورة من مثل ما جاء به:، إن زعمتم أنه من عند غير الله فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله، فإنكم لا تستطيعون ذلك، وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن، فقال في سورة القصص: (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين) [القصص: ٤٩] وقال في سورة سبحان: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا) [الإسراء: ٨٨] وقال في سورة هود: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) [هود: ١٣] وقال في سورة يونس: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) [يونس: ٣٧، ٣٨] وكل هذه الآيات مكية، ثم تحداهم بذلك أيضًا في المدينة فقال في هذه الآية: (وإن كنتم في ريب) أي شك (مما نزلنا على عبدنا) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم (فأتوا بسورة من مثله) يعني من مثل القرآن، فتحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم، وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه ومع هذا أعجزوا عن ذلك". (١)

فدلت هذه الآية ونظائرها على أن القرآن معجز بنفسه لمزايا وخصائص استقرت فيه، تقصر طاقة البشر وقدرتهم عن مضاهاتها، لذلك ورد التحدي بالقرآن ذاته.

ثانيًا - لو كان العجز بالصَّرْفَةِ لكان مقتضى الحكمة إنزال القرآن في مستوى بلاغي قريب المتناول- لا في الدرجة القصوى من البلاغة والفصاحة - لتظهر عظمة المعجزة في المنع من مثله والصرف عنه. وهذا يخالف ما ورد في القرآن من أوصاف له تشيد بعظمة بيانه وسموه، فهو الكتاب المبين؛ والقرآن المجيد؛ وفيه الآيات البينات، وهو النور، والنور المبين؛ والكتاب المنير؛ وفيه الهدى والنور وشفاء لما في الصدور ....

ثالثًا - ومن الدلائل التي تثبت إعجاز أسلوب القرآن ما ورد في القرآن نفسه من الآيات الدالة على قوة تأثيره في النفوس. وقد بلغ من تأثيره في نفوس الكافرين ما حملهم على التواصي على الإعراض عنه، كما ذكره الله عنهم

(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (فصلت: ٢٦).

فقد نفذ صبرهم عن الصمود لاستماعه لمبلغ تأثيره فيهم وخشيتهم منه على أتباعهم وأنفسهم.

ووصف الله تأثيره في نفوس المؤمنين فقال سبحانه: (الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. ذلك هدى الله يهدي به من


(١) - تفسير القرآن العظيم (١/ ٥٩ - ٦٠) بتصرف.

<<  <   >  >>