عرض الترمذي لمذاهب العلماء في المرسل / واعتراضات ابن رجب عليه:
المذهب الأول - تضعيف المراسيل:
وفي ذلك يقول الترمذي:"والحديث إذا كان مرسلا فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث". ومن أهل الحديث الذين استدل الترمذي بقولهم الإمام الزهري الذي قال لإسحاق بن أبي فروة، وكان يرسل الحديث مالك - قاتلك الله - تجيئنا بأسانيد لا خطم لها ولا أزمة، فرأى الإمام الترمذي أن هذا دليل على تضعيف الزهري لمطلق المراسيل، وانه لا يحتج بها.
ولكن ابن رجب اعترض في الشرح على هذا الاستدلال، وقال: ليس هذا دليلا على رد الزهري للمراسيل عموما، وإنما هو تضعيف خاص لمراسيل ابن أبي فروة الذي عرف أن الإرسال عادة له، ويضاف هذا إلى ما كان عليه هذا الرجل من الضعف، إذ أن كتب الجرح طافحة بكلام العلماء في جرحه.
وأما بيان المحدثين الذين قالوا بتضعيف المرسل فلم يرد على لسان الترمذي، وإنما ذكر على سبيل الإجمال أن هذا مذهب أكثر أهل الحديث، ولقد ذكر الحاكم أبو عبد الله أسماء عدد من هؤلاء المحدثين. وفي هذا يقول ابن رجب: وحكاه الحاكم عن جماعة من أهل الحديث من فقهاء الحجاز وسمى منهم: سعيد بن المسيب، والزهري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي وأحمد، فمن بعدهم من فقهاء المدينة.
وبعد إجمال الترمذي وبيان الحاكم قال ابن رجب: وفي حكايته عن أكثر من سماهم نظر، ولا يصح عن أحدهم الطعن في المراسيل عموما، ولكن في بعضها.
وهذا اعتراض وجيه من ابن رجب على الترمذي والحاكم، لأن لكل واحد من أهل الحديث كلاما طويلا في المراسيل، وهو كلام يدل على تفاوتها في الاحتجاج والرتبة، حتى يصل بعضها إلى منتهى درجات الضعف، فيقال: