ولم يكتف العلماء بهذا بل فحصوا السماع للتأكد من عدم دخول الوهم والخطأ على السماع.
وابن رجب في رده على الإمام مسلم جمع بين هذه المراتب كلها، وساق الأدلة على أن العلماء فتشوا عن اللقاء بين الراوي والمروي عنه، ولم يكتفوا به بل فتشوا عن ورود السماع، ولم يكتفوا به بل فتشوا عن صحة السماع وعدم دخول الوهم والخطأ عليه.
وهذا الذي جاء به ابن رجب ينقض مدعاه في نصرة البخاري، وهو يعارض البخاري كما يعارض مسلما، فالبخاري لم يشترط السماع الذي هو أخص من اللقاء، ولم يشترط البحث في سلامة كل سماع من الوهم والخطأ.
ثانيا: لم يحدد ابن رجب رأيه في المسألة، وبعد عرض طويل مليء بالأمثلة الشواهد لم نعرف مراده بالتحديد، هل هو مع اشتراط اللقاء، أم مع اشتراط السماع، أم مع اشتراط تحقق السماع في كل مسألة. وقد أظهر من كلامه أنه أدخل التفتيش عن السماع في أصل الصحة، ولا يوافقه أحد من العلماء على ما ذهب إليه، وخاصة ألئك الذي كتبوا في المصطلح.
ثالثا: يستدل ابن رجب على عدم السماع بأمرين ذكرهما عن الإمام أحمد:
الأول - أن يكون الراوي ببلد غير بلد المروي عنه، ولم يعرف عن أحدهما النقلة إلى بلد الآخر.
الثاني - أن يروي الراوي مباشرة عن شيخه ثم يدخل بينه وبينه واسطة.
وليس في هذا ما ينصر مذهب ابن رجب لأن الإمام مسلما كذلك يبحث عن اللقاء في مثل هاتين الحالتين، لما فيهما من القرينة على انتقاء اللقاء، لأن الإمام مسلما يعتبر المعاصرة مع إمكان اللقاء لا مع القرينة على نفي اللقاء.
وفي هذا يقول الإمام مسلم: فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة، أن هذا الراوي لم يلق الراوي عنه.