فئات المجتمع، وكان السلاطين يؤيدون هذا الانفصال بالتحذيرات المستمرة، وفرض العقوبات الرادعة.
وهذه العزلة أوجدت هوة كبيرة بين المماليك الذين هم الحكام من جهة، وبين المحكومين من جهة أخرى، وأصبح الشعب لا يبالي بما يجري من الأحداث ولا تحركه أشجان السلاطين ومآسيهم إذا دارت الدائرة عليهم.
ولم تسجل الكتب التي بين أيدينا موقف حاسمة لجماهير الناس فيما عدا بعض المواقف النادرة كنصرة العامة للسلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة ٧٠٨هـ عندما تحالف زعيما البحرية والبرجية للتخلص منه، ولم يكن معه إلا عدد قليل من المماليك، ولم يخلصه من هذه الورطة - التي أوشكت أن تودي بحياته - إلا العامة الذين ثبتوا في أماكنهم وهم يصرخون "يا ناصر يا منصور، الله يخون من يخون ابن قلاوون" وهذا من الموقف النادرة التي شارك فيها الناس لتأييد سلطانهم.
وأما العلماء: فقد لقي هؤلاء تكريم سلاطين المماليك، وكان للعلماء كلمتهم المسموعة، وسلطانهم الكبير على العامة، وهذا السلطان مكن بعضهم من الوقوف في وجه السلاطين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدعون بالحق، كالعز ابن عبد السلام، وشمس الدين الحريري قاضي الحنفية، وابن تيمية الحراني.
وأما التجار: فقد شعر السلاطين بأن التجار هم المصدر الأول الذي يعتمدون عليه في سد حاجاتهم في الأوقات العصبية، لذا فقد كانت هذه الفئة تتمتع بمكانة مرموقة، وقد نشط السلاطين الحركة التجارية في بلادهم، وأعطوا التجار الأجانب امتيازات وتسهيلات تجارية، كل ذلك فتح الباب أمام التجار المسلمين لأن يجمعوا ثروات طائلة لانعكاس تلك التسهيلات عليهم، وقد