وأما من يدلس عمن لم يره، فحكم حديثه حكم المرسل، وقد سبق ذكره ومتى صرح بالسماع، أو قال:(ثنا) أو (أنا) فهو حجة.
وزعم أبو الطيب الطبري من الشافعية أنه لا يحتج بقول المدلس:(أنا) ؛ لأنه قد يكون إجازة وهذا ضعيف، فإن مثله يتطرق إلى قوله:(ثنا) أيضاً، فإن ذلك جائز عند كثير من العلماء في الإجازة كما سبق، ثم إن الإجازة والمناولة تصح الرواية بهما على ما تقدم، فيحتج بحديث من حدث بهما حينئذ، وأيضاً فقد تستعمل "حدثنا" في الإرسال كما كان الحسن يقول: (ثنا) ابن عباس، ويتأوله أنه حدث أهل البصرة، ولكن هذا استعمال نادر، والحكم للغالب.
وأما قول الشافعي: إن التدليس ليس بكذب يرد به حديث صاحبه كله، فهذا أيضاً قول أحمد وغيره من الأئمة، لأن قول المدلس "عن فلان" ليس بكذب منه وإنما فيه كتمان من سمع منه عن فلان.
وحكى الخطيب هذا القول عن كثير من العلماء، وعن بعضهم أنه كذب يرد به حديث صاحبه، وممن قال إنه كذب: حماد بن زيد وأبو أسامة. وقال شعبة: هو أخو الكذب، وقال مرة: هو أشد من الزنا. وروى رزق الله بن موسى عن وكيع، قال: لا يحل تدليس (الثوب) ، فكيف يحل تدليس الحديث، وهذا في التدليس عن غير الثقات (أشد) .
وقال أحمد في التدليس: أكرهه. قيل له: قال شعبة: هو كذب. قال أحمد: لا قد دلس قوم، ونحن نروي عنهم، وقال يحيى بن معين: كان