فأضر فخف ضبطه لذلك، ونجد هذا في آخر كلام ابن رجب عن المختلطين تحت عنوان:"من يلتحق بالمختلطين ممن أضر في آخر عمره".
وقبل الكلام عن هذه العوارض نرى ضرورة التنبيه إلى أن من لا يحفظ إذا روى من كتابه فروايته جائزة، إذا كان صادقا ضابطا للكتاب، وهذا معروف في شرط الحديث الصحيح، وهو أن يكون راويه ضابطا لما في صدره أو لما في كتابه وقد تعرض ابن رجب لهذا أثناء كلامه عن الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا، وهما بمنزلة من ليس له كتاب في هذه الحالة. ونقل ابن رجب قول أحمد فيهما وخلاصته أنه لا يجوز أن يحدثا إلا بما سمعا.
وقد ذكر الخطيب البغدادي في كفايته كلاما أسنده إلى مروان بن محمد، قال:"لا غنى لصاحب الحديث عن ثلاث: صدق وحفظ، وصحة كتاب، فإن كانت فيه ثنتان وأخطأته واحدة لم يضره: إن كان صدق، وصحة كتب ولم يحفظ ورجع إلى كتب صحيحة"، وروى الخطيب كذلك، بسنده إلى يحيى بن معين قوله:"ينبغي للمحدث أن يتزر بالصدق، ويرتدي بالكتب". ودفعا لما قد يدخل على الكتاب من زيادة أو نقص فقد وضع المحدثون مبادىء لا بد من التزامها أثناء الكتاب وقد طول الخطيب في الكلام على هذه المبادىء في كتابه"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"
ولكن ضبط الكتاب لا يغني، وبالتالي يقع المحذور، في حالة بعد الكتاب أو فقده وفقد آلة النظر في الكتاب. ومن هنا دخلت العلة في أحاديث بعض الثقات فكان لا بد من دخول الناقد، رجل العلل، في دائرة أحاديث هؤلاء الثقات لتمييز سقيمها معلولها من صحيحها ومستقيمها.