وممن خف ضبطه لبعده عن كتبه معمر بن راشد، وهذا الرجل عده علي بن المديني ممن دار الإسناد عليهم، وثناء العلماء عليه عظيم، ولكن ذلك لم يمنع من أن يقال فيه: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخفه، إلا عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا. ونقل ابن رجب عن الإمام أحمد قوله: حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر فيها، يعني في اليمن، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة، كما ذكر ابن رجب مثالا من الأحاديث المعلولة التي تكشف عن أمر معمر بالعراق، وذلك أن معمرا روى حديثا وهو:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة".
رواه باليمن عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل مرسلا، ورواه بالبصرة عن الزهري عن أنس، والصواب المرسل.
وأما عبد الله بن لهيعة، قاضي مصر، فهو ممن أجمع العلماء على خفة ضبطه قبل موته بسنين، والأكثر على أن هذا راجع إلى احتراق كتبه، روى العقيلي من طريق البخاري عن أبي بكير، قال: احترقت كتب ابن لهيعة سنة سبعين ومائة، وقال ابن خراش كان يكتب حديثه، احترقت كتبه، فكان من جاء بشيء قرأه عليه حتى لو وضع أحد حديثا وجاء به إليه قرأه ليه، قال الخطيب فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله، وقال يحيى بن حسان: رأيت مع قوم جزءا سمعوه من ابن لهيعة فنظرت فإذا ليس هو من حديثه، فجئت إليه، فقال: ما أصنع؟ يجيئون بكتاب فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم.