للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسية أو وجدانية أكثر منه معرفة عقلية علمية، وفي هذا يقول إمام من أئمة هذا الفن، وهو عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة الحديث الهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة".

ونقل عن أبي حاتم ما يشبه هذا، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي - رحمه الله - يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضها هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه: هذا حديث منكر، وقلت في بعضه: هذا حديث كذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح، فقال لي: من أين علمت أن هذا خطأ، وهذا باطل، وأن هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وأني كذبت في هذا حديث كذا؟

فقلت: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعى الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم. قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب، فأخذ فكتب في كاغذ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلت: إنه باطل، قال أبو زرعة: إنه كذب، قلت: والكذب والباطل واحد، وما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة باطل، وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، وما قلت: إنه صحاح، قال أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا، تتفقان في غير مواطأة فيما بينكما، فقلت: إنا لم نجازف وإنما قلنا بعلم ومعرفة قد أوتينا. والدليل على صحة ما نقوله: بأن دينارا نبهرجا يحمل إلى الناقد فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هذا جيد فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>