وأما كلام العلماء عن مبادئ هذا العلم وظهور حجته عند أهله فكثير، يقول الحاكم أبو عبد الله:"والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير". فالعلة عند الحاكم لا تدعى إلا بالحجة، ولكنها حجة الحافظ الفهم العارف يدركها الحافظ الفهم العارف، ولاحظ قوله:"عندنا" وكأنها تختلف في نظر غيره، ولاحظ قوله:"لا غير".
وقال في موضع آخر من كتابه:"وليس لهذا العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث". وفي هذه العبارة يؤكد الحاكم دور الفهم والمعرفة لما فيهما من المعاني الزائدة على العلم، قال تعالى:(ففهمناها سليمان) .
وابن رجب يؤكد في كتابه أن هذا العلم معرفة وممارسة، ومذاكرة، فيقول:"والوجه الثاني في معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك، وهذا الذي يحصل من معرفته، وإتقانه، وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علم العلل، ونحن نذكر - إن شاء الله تعالى - من هذا العلم كلمات جامعة مختصرة يسهل بها معرفته وفهمه، لمن أراد الله - تعالى - به ذلك، ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكر به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد وابن المديني، فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه وفقهت نفسه فيه وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه".
ومن كل هذا نستفيد أن الكشف عن العلة يحتاج إلى علم غزير بالأسانيد والطرق وأساليب التعبير، كما يحتاج إلى مزيد فهم ومعرفة وحدة ذكاء وسرعة