للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (١). في هذه الآيات الكريمات، يصور لنا الحق سبحانه، صورة من النظام السياسي القائم في هذه المملكة الغنية، والتي تتمثل في التوافق التام بين الحاكم والرعية، والثقة المتبادلة بين الطرفين، والتعاون على تحصيل الخير والنفع للأمة، والتزام الشورى منهجاً ووسيلة لاتخاذ القرارات المصيرية (ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون).

فرغم الطاعة المطلقة، التي يبديها أشراف الناس، وقادتهم، لبلقيس ملكة سبأ، في الرخاء والشدة، في السلم والحرب (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين)، إلا أنها كانت من العقل والحكمة بحيث لا تستبد بالأمر، ولا تستأثر بالقرار دونهم، فهي تؤكد حرصها الشديد على سماع آرائهم، والاعتماد على مشورتهم، للحفاظ على مملكتهم، وما يتمتعون به من حرية ورخاء، وتجنيبهم ذل الاستعباد، وقهر الجيوش الغازية.

فضربت لنا الآيات الكريمات، مثلاً عظيماً في فضل الشورى، وأبانت لنا عن درس بليغ، في كيفية إدارة البلاد، في الظروف الاستثنائية المصيرية، حيث يجتمع أهل الرأي والمشورة، أهل الحل والعقد، يتباحثون، ويتشاورون، فينتفع بمشورتهم العباد والبلاد.

وقد كان لهذا النهج السوي، القائم على الشورى، أعظم الأثر في العاقبة الحسنة، التي انتهت إليه مملكة سبأ، وملكتهم الحازمة العاقلة، من الإيمان والإسلام لله رب العالمين.

فرعون: تسلط واستبداد وشورى زائفة

وبضد هذه الصورة المشرقة – وبضدها تتميز الأشياء - بضد هذه الصورة للحكم الرشيد المبني على الشورى في مملكة سبأ، " ينقل القرآن صورة أخرى مظلمة عن الحكم الذي يقوم على التأله والتسلط، مثل حكم فرعون الذي قال للناس: (أنا ربكم الأعلى)، (ما علمت لكم من إله غيري)، والذي لا يستشير في الأمور الهامة إلا بطانته الخاصة، كما رأينا ذلك في قصة فرعون مع موسى، حين حاور فرعون فأفحمه، فهدده بالسجن، فقال موسى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقَى


(١) - سورة النمل. آية: ٢٩ - ٣٥

<<  <   >  >>