للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (١). فهذه ليست استشارة حقيقية، لأنها تخص (الملأ حوله) فقط، ثم هي استشارة موجهة، فهو لا يأخذ رأيهم في شأن موسى وماذا تكون رسالته، وما حقيقة أمره؟ بل حكم عليه قبل أن يسألهم الرأي: (إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره) " (٢). ولما كانت بطانته وأهل مشورته من المنتفعين، وأصحاب المصالح، الذين لا هم لهم إلا المحافظة على امتيازاتهم الخاصة، لما كانت بطانته كذلك، لم يسمع منهم ناصحاً، يردعه عن غيه، ويرده عن موارد الهلاك، فمضى متجبراً مستكبراً، يدفع الحق، ويستضعف المؤمنين؛ حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر.

فشتان بين الشورى الجامعة للمنافع، الجالبة للاستقرار، وبين التسلط والاستئثار بالقرار، الجالب للظلم والخراب، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.

نماذج المُلْك العادل، والمُلْك الظالم المتسلط

"ذكر القرآن في المُلك الممدوح: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)} (٣) وذكر من آل إبراهيم: يوسف الذي ناجى ربه فقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} (٤) وإنما قال من المُلك، لأنه لم يكن مستقلا بالحكم، بل كان فوقه مَلِك، هو الذي قال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} (٥)، وممَّن آتاهم الله المُلك: طالوت، الذي بعثه الله مَلِكا لبني إسرائيل، ليقاتلوا تحت لوائه، {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} (٦).


(١) - سورة النمل. آية: ٢٩ - ٣٥
(٢) - ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. العلامة د يوسف القرضاوي ص / ١٢٩ - ١٣٠
(٣) - سورة النساء. آية: ٥٤
(٤) - سورة يوسف. آية: ١٠١
(٥) - سورة يوسف. آية: ٥٤
(٦) - سورة البقرة. آية: ٢٤٧

<<  <   >  >>