للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنها ميثاق عظيم، وعهد أكيد يوحد صفوف الأمة، ويجمع كلمتها، ويحسم مادة الشرور، والخلاف، والنزاع، والشقاق، وبه قيام الحكم المستقر، والقضاء العادل.

ومن توجيهات الإعلام السياسي في القرآن

الأمر بالشورى (١)

قوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)} (٢)

نزلت هذه الآية عقب غزوة أحد، التي خرج إليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- نزولاً على رأي الأكثرية من أصحابه، المخالف لرأيه هو، وقد بينت أحداث تلك الغزوة أن رأي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كان هو الأصوب والأصح، ومع ذلك فقد أمر الله نبيه بعد هذه الأحداث، بأن يستغفر لأصحابه، وبأن يشاورهم في الأمر، على عموم هذا اللفظ وإطلاقه الشامل لكل صغيرة وكبيرة من شئون المسلمين.

والنص قاطع في أن مبدأ الشورى مبدأ من مبادئ الإسلام الأساسية في الحكم، وإذا كان القرآن الكريم قد فرض الشورى على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يَسُوغ لحاكم بعده، أن يتنصَّل من وجوبها، أو يتحلل من حكمها." قال الإمام ابن عَطِيَّة: وَالشُّورَى مِنْ قواعد الشرِيعة وعزائم الأَحكام ; مَنْ لا يستشير أهل العلم وَالدِّين فعزله واجِب. هذا ما لا خلاف فيه. " (٣). " وقال ابن خُوَيْز مَنْدَاد: واجب على الْوُلَاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون , وفيما أَشْكَلَ عليهم من أمور الدِّين , ووجوه الجيش فيما يتعلَّق بالحرب , ووجوه النَّاس فيما يتعلَّق بالمصالح , ووجوه الكُتَّاب وَالْوُزَرَاء وَالْعُمَّال فيما يَتَعَلَّق بمصالح البلاد وَعِمَارتها " (٤).فجعل الإسلام الشورى فريضةً إلهيةً لا اختيارَ للأمة في التخلي عنها، وهي شاملةٌ لحياة المجتمع في الأسرة وفي شئون الدولة وفي أحوال الأمة التي لا تجتمع على ضلالة. وقد مدحهم سبحانه فقال {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (٥) فقد ذكر سبحانه الشورى في


(١) - مستفاد من ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. العلامة د يوسف القرضاوي ص / ١٢٥ - ١٢٦
(٢) - سورة آل عمران. آية: ١٥٩
(٣) - تفسير ابن عطية. المحرر الوجيز. ص / ٣٧٦. ط دار ابن حزم – بيروت. ٢٠٠٢م. (في مجلد واحد)
(٤) - تفسير القرطبي. ٤/ ١٦١. ط دار الكتب العلمية – بيروت. ١٩٨٨م
(٥) - سورة الشورى. آية: ٣٨

<<  <   >  >>