للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحوار الذي أسسه القرآن وشادت دعائمه آيات الرحمن، هو حوار متجرد، بناء، هادف، غايته الحقيقة الثابتة بالأدلة والبراهين {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١)، بلا تنازل أو تزحزح أو تفريط في الحق {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} (٢).

والحوار هو قاعدة الإسلام الأساسية في دعوته الناس إلى الإيمان بالله وعبادته، وقد أكَّدَ القرآن هذا المبدأ بطرق عديدة، فعرض القرآن لحوار الله مع خلقه بواسطة الرسل، وكذا مع الملائكة ومع إبليس، كما أنَّ دعوات الرسل كلها كانت محكومة بالحوار مع أقوامهم، وقد أطال القرآن الكريم في عرض هذه الحوارات بين الرسل وأقوامهم، ولم يشجب القرآن في هذا الباب موقفاً كما شجب موقف رفض الحوار والإصرار على عدم ممارسته: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨)} (٣).

ومن أعظم منطلقات الحوار في القرآن التسليم بإمكانية صواب الخصم:

فبعد مناقشة طويلة في الأدلة على وحدانية الله تأتي هذه الآية من سورة سبأ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥)} (٤)، فيجعل اختياره هو بمرتبة الإجرام على الرغم من أنه هو الصواب، ولا يصف اختيار الخصم بغير مجرد العمل، ليقرر في النهاية أن الحكم النهائي لله: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)} (٥).


(١) - سورة الأحقاف. آية: ٤.
(٢) - سورة الأنعام. آية: ١٤٨.
(٣) - سورة الجاثية. آية: ٧ - ٨.
(٤) - سورة سبأ. آية: ٢٤ - ٢٥.
(٥) - سورة سبأ. آية: ٢٦.

<<  <   >  >>