وقال أبو حنيفة- وهو المروي عن مالك- أن الطول المرأة الحرّة، فمن كانت تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة، ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة، ولو كان غنيا. وبه قال أبو يوسف واختاره ابن جرير واحتج له.
والقول الأوّل وهو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلو ما عداه عن تكلف، فلا يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة إلا إذا كان لا يقدر على أن يتزوج بالحرة لعدم وجود ما يحتاج إليه في نكاحها من مهر وغيره. ودخلت الفاء في قوله: فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
وقوله: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ في محل نصب في الحال، فقد عرفت أنه لا يجوز للرجل الحرّ أن يتزوج بالمملوكة إلا بشرط عدم القدرة على الحرّة. والشرط الثاني ما سيذكره الله سبحانه آخر الآية من قوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ. فلا يحلّ للفقير أن يتزوج بالمملوكة إلا إذا كان يخشى على نفسه العنت. وقد استدل بزيادة وصف الإيمان على عدم جواز نكاح الإماء الكتابيات، وبه قال الحجازيون، وجوزه أهل العراق. والمراد هنا الأمة المملوكة للغير.
وأما أمة الإنسان نفسه فقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز له أن يتزوجها وهي تحت ملكه لتعارض الحقوق واختلافها. والفتيات جمع فتاة والعرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة، وفي الحديث الصحيح:«لا يقولنّ أحدكم: عبدي وأمتي ولكن ليقل:
فتاي وفتاتي» «١» .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ: فيه تسلية لمن ينكح الأمة إذا اجتمع فيه الشرطان المذكوران: أي كلكم بنو آدم، وأكرمكم عند الله أتقاكم فلا تستنكفوا من الزواج بالإماء عند الضرورة فربما كان إيمان بعض الإماء أفضل من إيمان بعض الحرائر والجملة اعتراضية.
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ مبتدأ وخبر، ومعناه: أنهم متصلون في الأنساب لأنهم جميعا بنو آدم، أو متصلون في الدين لأنهم جميعا أهل ملة واحدة ونبيهم واحد. والمراد بهذا توطئة نفوس العرب لأنهم كانوا يستهجنون أولاد الإماء ويستصغرونهم ويغضون منهم ويسمون ابن الأمة الهجين فأخبر الله تعالى أن ذلك أمر لا يلتفت إليه فلا يتداخلنكم
(١) [متفق عليه] أخرجه البخاري في الصحيح [٥/ ١٧٧] ح [٢٥٥٢] ومسلم في الصحيح ح [٢٢٤٩] .