للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولمّا كانوا لا يستطيعون ذلك، ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه، نهاهم الله عز وجل أن يميلوا كُلَّ الْمَيْلِ لأن ترك ذلك، وتجنب الجور كل الجور في وسعهم، وداخل تحت طاقتهم، فلا يجوز لهم أن يميلوا إلى إحداهن عن الأخرى كل الميل، كما قال: فَتَذَرُوها: أي الأخرى، كَالْمُعَلَّقَةِ التي ليست ذات زوج، ولا مطلقة يشبهها بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء، لا في الأرض ولا في السماء «١» .

[الآية الخامسة والثلاثون]

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) .

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ: الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق لأن من أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل ما أنزل الله.

وقيل: إنه خطاب للمنافقين فقط، كما يفيده التشديد والتوبيخ.

أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها: أي إذا سمعتم الكفر والاستهزاء بآيات الله تعالى.

فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ: أي مع المستهزئين ما داموا كذلك.

حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي غير حديث الكفر والاستهزاء بها، والذي أنزله الله عليهم في الكتاب هو قوله: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام: ٦٨] .

وقد كان جماعة بمكة من الداخلين في الإسلام يقعدون مع المشركين واليهود، حال سخريتهم بالقرآن، واستهزائهم به، فنهوا عن ذلك «٢» .

قال ابن عباس: دخل في هذه الآية كل محدث ومبتدع في الدين إلى يوم القيامة.


(١) انظر: الزجاج (٢/ ١٢٩) ، والطبري (٥/ ٢٠١) ، والنكت (١/ ٤٢٧) ، وزاد المسير (٢/ ٢٢٠) ، والقرطبي (٥/ ٤١٣) ، وفتح القدير (١/ ٥٢١، ٥٢٣) .
(٢) انظر: الطبري (٥/ ٣٢٩، ٣٣٠) ، والقرطبي (٥/ ٤١٧، ٤١٨) ، والدرر للسيوطي (٢/ ٧١٨) .

<<  <   >  >>