للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تركه كالنساء والصبيان «١» ، ومن يؤخذ منه الجزية «٢» . وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة.

وقيل: إن هذه الآية ناسخة لقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] ، روي ذلك عن عطاء وغيره.

وقال كثير من العلماء: إن الآية محكمة وإن الإمام مخير بين القتل والأسر، وبعد الأسر مخير بين المن والفداء. وبه قال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وغيرهم وهذا هو الراجح، لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء الراشدين من بعده فعلوا ذلك «٣» .

وقال سعيد بن جبير: لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال: ٦٧] ، فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره «٤» .

[الآية الثانية]

فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) .

فَلا تَهِنُوا: أي لا تضعفوا عن القتال.


(١) دلّ على ذلك ما أخرجه البخاري (٦/ ١٤٨) ، ومسلم (١٢/ ٤٨) عن ابن عمر قوله مرفوعا:
«وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان» .
(٢) دلّ على ذلك قوله عز وجل: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) [التوبة: ٢٩] .
(٣) قال القاضي محمد بن العربي رحمه الله: «والآية محكمة ليس للنسخ فيها طريق، لا من آيات القتال ولا من غيرها، لأن النسخ كما بينا إنما يكون بشروط منها المعارضة ومنها معرفة التاريخ، ولا تاريخ هاهنا يعلم، ولا معارضة بين الآيتين، لأن آيات القتال هي معنى قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ فأمر بالقتال ثم قال: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ثم منوا بعد ذلك عليهم أو فادوهم، وقد منّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على ثمامة بن أثال وأطلقه، وقال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيّا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» والإمام مخير في الأسرى بين خمسة أشياء: إما القتل أو المنّ أو الفداء أو الرّق أو إقرارهم على الجزية، وبه قال جماعة.
روى أبو حنيفة الإمام لا يمن إلا من جهة الآية، ولكن زعم أن في المنّ إتلاف حق الغانمين، وهذا يبطل بالقتل، فإن له أن يقتل جميعهم وفي ذلك إتلاف حقهم، ويبطل أيضا بما قدمناه من الأدلة والله أعلم. (الناسخ والمنسوخ ٢/ ٨٧٢، ٨٧٣) . والأحكام (٤/ ١٦٨٨) .
(٤) ذكر قول سعيد بن جبير القرطبي في «تفسيره» (١٦/ ٢٢٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٦) .
بنحوه.

<<  <   >  >>