للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها: أصل الشقاق أن كل واحد منهما يأخذ شقا غير شق صاحبه: أي ناحية غير ناحيته، وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وقولهم:

يا سارق الليلة أهل الدار، والخطاب للأمراء والحكام، والضمير في قوله بَيْنِهِما للزوجين لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما وهو ذكر الرجال والنساء فابعثوا إلى الزوجين حكما يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وإنصافا.

وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقرب لمعرفة أحوالهما، وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم، وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسيء منهما. فأما إذا عرف المسيء فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما، فإن قدرا على ذلك عملا عليه وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق، وهو مروي عن عثمان وعليّ وابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي وحكاه ابن كثير «١» عن الجمهور قالوا: لأن الله قال: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، وهذا نص من الله سبحانه على أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان.

وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن- وهو أحد قولي الشافعي- إن التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما، ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم، لأنهما رسولان لا شاهدان فليس إليهما التفريق. ويرشد إلى هذا قوله تعالى:

إِنْ يُرِيدا أي الحكمان، إِصْلاحاً: بين الزوجين، يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما أي يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن العشرة.

ومعنى الإرادة خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين، وقيل: إن الضمير في قوله: يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما- للحكمين، كما في قوله: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً. أي يوفق الله بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما، وقيل: كلا الضميرين للزوجين، أي إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما الألفة


(١) تفسير ابن كثير [١/ ٤٦٧] .

<<  <   >  >>