للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلم إرادة العلماء فطاعتهم أيضا- كالأئمة والأمراء- مشروطة بعدم مخالفة الطاعة الإلهية كما سلف، مع أن العلماء أرشدوا إلى ترك التقليد كما روي عن الأئمة الأربعة وغيرهم.

ولو فرضنا أن في العلماء من يرشد إلى تقليده لكان يرشد إلى المعصية فلا طاعة لهم حينئذ بالنص، بل هذه الآية دالة على أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس والرأي مطلقا فلا يجوز ترك العمل بهما ولا تخصيصهما بالقياس- جليا كان أو خفيا-.

ومن وجوه الدلالة أن قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أمر بطاعة الكتاب والسنة، وهنا الأمر مطلق فثبت وجوب متابعتهما مطلقا سواء حصل قياس يعارضهما أو يخصصهما أو لم يحصل، ومنها أن كلمة «إن» للاشتراط على قول الأكثرية فقوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ صريح في عدم جواز العدول إلى القياس إلا عند فقدان الأصول، كما يظهر ذلك من تأخير ذكره عنها في الآية، وكذا في قصة معاذ. ومنها أن سبب لعن إبليس ليس دفع نص السجدة بالكلية بل إنما خصص نفسه عن ذلك العموم بقياس، ومنها أن القرآن مقطوع المتن لثبوته بالتواتر، والقياس مظنون من جميع الجهات، والمقطوع راجح على المظنون، ومنها أن قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) [المائدة: ٤٥] . نص صريح في أننا إذا وجدنا عموم الكتاب حاصلا في الواقعة ثم حكمنا بالقياس فإنه يلزم الدخول تحت هذا العموم، وكذا التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم من لوازم ذلك. وتمام القول في هذه المسألة في تفسيرنا «فتح البيان» فليرجع إليه.

فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ المنازعة: [المجاذبة] «١» والنزع: الجذب، كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها، والمراد الاختلاف والمجادلة. وفيه دليل على أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان.

قال في «أعلام الموقعين» : وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها «٢» تأويلا ولم يحرّفوها عن مواضعها تبديلا،


(١) ما بين المعكوفين من فتح القدير [١/ ٤٨١] .
(٢) جاء في المطبوع [يشربوها] والتصحيح من أعلام الموقعين [١/ ٤٩] .

<<  <   >  >>