فجوز تقديمها تخفيفًا بخبر الواحد الذي لا ينسخ به الكتاب، وتفضيله لا لكمال الصوم بل للمسارعة على أدائه كالابتكار يوم الجمعة أو ليخرج عن الخلاف فلا بحث فيه، وقوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة: ٨٩] عبارة في إيجاب إحدى الخصال على التخيير إشارة إلى أن اَلأصلَ في جهة الإطعام الإباحة لا التمليك، خلافًا للشافعى، لأن إطعام ما يؤكل عينه متعارف في التمليك كإطعام الحنطة بخلاف إطعام الأرض ولأنه أدفع لحاجة المسكين كما في الزكاة والكسوة والخلاف مطرد في كل ما شرع بلفظ الإطعام بخلاف ما شرع بلفظ الأداء أو الإيتاء. قلنا: الإطعام جعل الغير طاعم أي: آكلًا فحقيقته التمكين لا التمليك، يؤيده {تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة: ٨٩]، فان المتعارف الإباحة لهم، وإضافته إلى المساكين لحاجتهم إلى الاَّكل دون التملك، وأن التمكين أقرب إلى سد الجوعة من التمليك وإنما تعورف أطعمت هذا لما لم يؤكل بعد في التمليك، مجازًا لصارف عن حقيقته كما تجوز في أطعمت الأرض لصارف عن عينها إلى منفعتها وإنما الحق التمليك بها خلافًا لحمدان بن سعل ومن تبعه، لأنه أدفع لحاجة الفقير فإن فيه إباحة وزيادة من حيث المقصود لأنه سبب لقضاء كل حوائج المسكين التي منها الأكل، فلخفاء قضائها أقيم التمليك مقامه واستقام التعدية بطريق الدلالة إلى الكل المشتمل على النصوص لا بطريق أن التمليك لاشتماله على التمكين أحد أفراد الإباحة كما ظن لأن المنصوص الإطعام بطريق الإباحة لا هي أما الكسوة اسمًا كان بالكسر أو مصدرًا بالفتح أو وبالكسر فيتناول التمليك القاضي كل الحوائج. تقديرًا فلم يتعد إلى ما هو جزء منها وذلك لأن إضافة الوجوب إلى العين وإن قدر الفعل المناسب كالإيتاء يستدعي مبالغة في اختصاصها بالوجوب كإضافة التحريم إليها على ما مر وهي بالتمليك كما في الزكاة ولأن التكفير يقتضي زوال الملك المكفر ليتم الانزجار له واندفاع الحاجة للفقير به وذا بالتمليك هنا لا بالإعارة وفي الطعام بالإباحة فلا حاجة إلى الزيادة فلذا كان مصدرًا كهو اسمًا ولم يكن إلحاق الإعارة به هنا لنقصانها في ذلك وفي أنها بعض الحوائج ومنقضية قبل كمال المقصود على نقيض إعارة الإطعام بالكسوة فيهما ففي الأصل لأن التمليك فيه ليس لمنصوص بل فهم من ضرورة إضافة الوجوب إلى العين فلا يعلى، وفي الفرع لأنه قياس للمنصوص على خلاف مقتضى نصه، ثم في لفظي الإطعام والمساكين إشارة إلى أنهم صاروا مصارف لحوائجهم لا لإغنائهم، فإن الإطعام للجائع أما للطاعم فكإغناء الغنى