وقوله:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}[البقرة: ١٨٧] عبارة في إباحة المفطرات الثلاث في الليالي ونسخ ما قبل الإحلال من تحريمها في ابتداء الإِسلام بعد ما صلى العشاء أو نام إشارة إلى استواء الكل في الحرمة لدخولها تحت خطاب واحد فلا يخص الإفطار بالوقاع بالكفارة كما قال الشافعي رحمه الله تمسكًا بأن النص ورد فيه وله مزية فلا يلحقان به إذ المزية ممنوعة حينئذ.
أما مزية السجود من أركان الصلاة فمع أنها ليست في الوجوب والركنية إما لأنها بخطابات متعددة أو بدليل مستقل كحديث الأقرب وكونه نهاية في التذلل كإشارة أحل {لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} إلى هنا إلى صحة صوم المصبح جنبًا فإن حله إلى الانفجار يقتضي جواز الغسل بعده يؤيده حديث عائشة رضي الله عنها فما روى بعض أصحاب الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مؤول بأن المراد من أصبح بصفة توجب الجنابة أي مخالطًا لأهله وكإشارة ثم أتموا إلى جواز النية نهارًا لأنه لما أباح المفطرات إلى أول الفجر كان معنى قوله {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ}[البقرة: ١٨٧] ثم ابتدأوا به وألقوه فوجب ترتيب ابتدائه على آخر الليل ووقوعه في جزء من النهار وإن جعل التراخي من ابتداء الفعل كما في قوله تعالى {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[البقرة: ٢٨] ولا شك أن الصوم المبتدأ به إمساك عنها لا مطلقًا بل مع النية فقد جازت النية من النهار ولم يجب مع ورود الأمر لأن وجوب الكل مؤخرًا لا يقتضي وجوب كل جزء كذلك.
وهذا لا يحتاج إلى ذكر أن الليل لا ينقضي إلا بجزء من النهار مع أن مراد فخر الإِسلام منه بيان أنه لا فصل بينهما أصلًا فمن ضرورة التراخي وقوع العزيمة في النهار، وقيل: قصد الصوم قصد الفعل، فلا بد من تقدمه عليه فيتقدم النية على الصوم ضرورة، وليس بشيء لأن النية هنا قصد جعل الإمساك العادي عباديا، وذا يمكن أن يقارنه لا قصد إيجاده فإن وجوده لا يتوقف عليه، وأما جعل النية المتأخرة متقدمة فأمر حكمي عرفي لميته في موضعه، وإذا ثبتت الإشارة فقوله عليه السلام:"لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل"(١) محمول على نفي الفضيلة لا على حقيقته، وإلا لنسخ به الكتاب،
(١) لم أجده هكذا بلفظ "يعزم"، لكن "يبيت"، أو"يجمع"، أخرجه: الدارمي (٢/ ١٢) ح (١٦٩٨)، والبيهقي في الكبرى (٤/ ٢٠٢) ح (٧٦٩٨)، والنسائي في الكبرى (٢/ ١١٧) ح (٢٦٤٣)، وانظر الدراية (١/ ٢٧٥). وأخرجه الترمذي (٣/ ١٠٨) ح (٧٣٠)، والدارقطني في سننه (١٧٣/ ٢)، وابن ماجه (١/ ٥٤٢) ح (١٧٠٠)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٢/ ٢٩٢) ح (٩١١٢)، وبلفظ "يؤرضه من الليل" أخرجه الطبراني في الأوسط (٩/ ٤٥) ح (٩٠٩٤)، وابن أبي شيبة في مصنفه =