وأما المبتدع، وهو من ليس معتقده كأهل السنة فإن تضمن بدعته الكفر ويسمى صاحبها الكافر المتأول، فمن كفر به جعله كالكافر وسيجيء، ومن لم يكفر كالبدع الواضحة فإنها إما غير واضحة فيقبل اتفاقًا وإما واضحة ويسمى الفاسق المتأول؛ كفسق الخوارج، والروافض، والجبرية، والقدرية، والمعطلة، والمشبهة، وكل منها اثنتا عشرة فرقة، تبلغ اثنتين وسبعين.
فمن الأصوليين من رد شهادته وروايته منهم الشافعي والقاض لقوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: ٦] ومنهم من قبلهما.
أما في الشهادة فلأن ردها لتهمة الكذب والفسق من حب الاعتقاد لا يدل عليه، بل أمارة الصدق لأن موقعه فيه تعمقه في الدين والكذب حرام في كل الأديان لا سيما من يقول بكفر الكاذب أو خروجه من الإيمان وذلك يصده عنه إلا من تدين بتصديق المدعى المنتحل بنحلته كالخطابية وكذا من اعتقد بحجية الإلهام. وقد قال عليه السلام نحن نحكم بالظاهر وأما في الرواية فلأن من احترز عن الكذب على غير الرسول فعليه أولى إلا من يعتقد وضع الأحاديث ترغيبًا أو ترهيبًا كالكرامية أو ترويجًا لمذهبه كابن الراوندي.
وأصحابنا قبلوا شهادكم لما مر دون روايتهم إذ ادعوا الناس إلى هواهم على هذا جمهور أئمة الفقه والحديث لأن الدعوة إلى التنحل داعية إلى التقول فلا يولقن على الرواية ولا كذلك الشهادة.
قيل مذهب القاضي أولى لأن الآية أحق بالعمل من الحديث لتواترها وخصوصها والعام يحتمل التخصيص ولأنها لم تخصص إذ كل فاسق مردود، والحديث خص عنه خبر الكافر والفاسق.
قلنا: مفهومها أن الفسق هو المقتضى للتثبت فيراد به ما هو أمارة الكذب لا ما هو أمارة الصدق، وقبول الصحابة قتلة عثمان رواية وشهادة إجماعهم عليه، ولئن سلم فليس بدعة واضحة لأن كثيرًا من القتلة وغيرهم يجعلونه اجتهاديًّا ونحو الخلاف في البسملة أنها من القرآن أو زيادة الصفات وغيرها من مسائل الاعتقاد إذ لم يتضمن كفرًا أو لم يكفر بها وإن ادعى الخصم القطع ليس من الواضحة لقوة الشبهة من الجانبين فيقبل.
ومن مسائل العمل كشرب النبيذ، واللعب بالشطرنج من يجتهد بحله أو مقلد له فالقطع أنه ليس بفسق صوبنا أو خطأنا لوجوب العمل دموجا الظن ولا يفسق بالواجب فالصحيح أن لا يحد مثله بشرب النبيذ وإن حده الشافعي لا لأنه فاسق بل لزجره لظهور