اشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر لأن تخطئة المخالف وتقديمه على القطاع مطلقان ولو سلم فالغرض وهو حجية الإجماع في الجملة حاصل أو نقول إن بلغ حد التواتر وهو الأكثر كإجماع الصحابة والتابعين فقد ثبت وإلا يثبت حجيته بالظواهر وحجيتها بالإجماع البالغ ذلك الحد لا به فلا مصادرة.
ومنه استدلال إمام الحرمين أن الإجماع على حكم يدل على وجود دليله القاطع لقضاء العادة بامتناع اتفاق مثلهم على مظنونه، وفيه منع لأن امتناعه إذا دق النظر أما في القياس الجلي وخبر الواحد يعد العلم بوجوب العمل بالظواهر فلا إلا أن يريد به الإجماع على القطع في حكم فيصح كالأول وأما النقلي فمنه أن شريعة محمَّد عليه الصلاة والسلام باقية إلى آخر الدهر بالأحاديث الآتية فلو جاز الخطأ على جماعتهم بان اتفقدا على خطأ أو اختلفوا وخرج الحق عن أقوالهم وقد انقطع الوحي لم تبق فوجب القول بأن إجماعهم صواب كرامة من الله تعالى صيانة لهذا الدين ولا يلزم ذلك في كل مجتهد فلعل المصيب من يخالفه وإذا أفاد القضاء اللزوم صيانة لسبب الدين فلان يفيده الإجماع صيانة لأصل الدين أولى والمراد بالأمة في الأحاديث أمة المتابعة لإطلاقها لا من تمسك بالهوى والبدعة ومنه أن شريعته عليه السلام كاملة لقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣] , فلو لم يكن للمجتهدين ولاية استنباط الأحكام التي ضاق عنها نطاق الوحي الصريح تبقى مهملة فلا يكون الدين كاملا ولو أمكن اتفاقهم على غير الحق كان فاسدًا فضلا عن الكمال ولا ينافيه ثبوت لا أدري من البعض لجوازِ دراية الآخر، ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: ١١٥].
ضم اتباع غير سبيلهم إلى مشاققة الرسول التي هي كفر في استيجاب النار فيحرم إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد أو أوعد على اتباع غير سبيلهم فيحرم فيجب اتباع سبيلهم إذ لا مخرج عنهما بعد وجوب الاتباع بقوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}[يوسف: ١٠٨]، والإجماع سبيلهم وكما الوجوب ترك المشاقة لحقيتة قول الَرسول عليه السلام فوجوب اتباع سبيلهم لحقيته ولا بد من أجوبة عن شبهه:
١ - الوعيد مرتب على كل منهما وإلا لغي ذكر اتباع الغير.
٢ - مشاركة المعطوف في حكم الإعراب لا في جميع قيوده ولئن سلم فالمراد بالهدى دليل التوحيد والنبوة لا جميع الأدلة وإلا لم يكن المشاقة في عهد النبي عليه السلام حرامًا.
٣ - لغير عام كما لنبي من دخل غير دارى ضربته إذ معيار العموم صحة الاستثناء فلا يختص بالارتداد الذي هو سبب النزول لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.