تسويغ الأخذ بكل منهما وإنه محال، وجوابه ما مر من الوجهين منع تسويغ كل من الأخذ بقول الآخر وبعد تسليمه فالإجماع مشروط بعدم وجود القاطع وقد ورد أما نقضه بما لم يستقر الخلاف حيث أجمعوا على جواز الأخذ حينئذ بكل واحد فليس بتام لأن ذلك تجويز ذهنى الإمكان أي لا يمتنع الذهاب إلى شيء منهما وإن جاز ظهور بطلانه وهذا تخويز وجودى بمعنى الإباحة أي يجوز العمل بهما معًا.
وثالثًا: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ}[النساء: ٥٩] الآية فيجب رد محل النزاع إلى الكتاب والسنة فلو كانَ هذا الاتفاق حجة لرد إليه لا إليهما وجوابه أنه لم يبق محل النزاع.
ورابعًا: قوله عليه السلام "بأيهم اقتديتم اهتديتم"(١) فلو كان حجة لما حصل الاهتداء باقتداء المخالف وجوابه بأن الخطاب لعوام الصحابة لا للمجتهد إذ لا يجوز له الاقتداء بغيره ولا لمن بعدهم ليس بشىء لأن عوام من بعدهم بالأولى بل بأن ذلك فيما بقى فيه الاختلاف ولم يبق بالإجماع.
ولنا في حجيته تناول الأدلة.
وللمانعين أولًا تعارض الإجماعين وقد تكرر مع جوابه.
وثانيًا: عدم صدق اتفاق كل الأمة لأن الميت منهم وقوله يعتبر لدليله لا لعينه ودليله باق لا يموت مع موت صاحبه بخلاف من لم يأت إذ لا هو متحقق ولا قوله وجوابه بالنقض ما لم يستقر الخلاف فاسد إذ ليس هنا قول عرفًا بل بأن حجية اتفاقهم كرامة لهم للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يتصور ذلك إلا من الأحياء المعاصرين ودليله إنما يبقى لو لم ينسخ بالإجماع كالقياس الذي نزل نص بخلافه.
قيل وفيه بحث إذ لا نسخ بعد وفاة الرسول عليه السلام.
قلنا: المنفى هو النسخ بالوحى لانقطاعه وهذا نسخ دليل المجتهد بالإجماع أو الناسخ في الحقيقة الوحي المتأيد به، وثالثا: أن في تصحيحه تضليل بعض الصحابة بإجماع التابعين على خلافه كابن عباس رضي الله عنه في إنكار العول وابن مسعود في تقديم ذوي الأرحام على مولى العتاقة وإذ بطل.
(١) عزاه الحافظ العجلوني للبيهقي وأسنده الديلمي عن ابن عباس بلفظ: "أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم"، انظر: كشف الخفاء للعجلوني (١/ ١٤٧)، التلخيص الحبير (٤/ ١٩٠).