للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منشأ الأفعال ومجمع الحواس ومحال مجال الطهارة ومظان إصابة النجاسة مقام كله ولولا ذلك لربما أدى إلى إفساد البدن وهذا لا يجعل الاقتصار معقولا كما ظن لأن المستحسن بالضرورة لا يعلى إلا إلى ما في معناه من كل وجه وليس كذلك وإلا لما احتيج إلى إثبات المعقولية.

ومنها المسح الذي هو تطهير غيره لأن جل الوضوء لما كان معقولا جعل كأن كله كذلك أو لأنه قام مقام غسل الرأس دفعًا لحرج آخر فأخذ حكمه وهذا كتعدية التيمم حال فقدان الماء لكونه خلفة لم يشترط النية له أيضًا.

ومنها إن لم يتنجس الماء بأول الملاقاة كما عدى ضمنًا في طهارة الخبث أيضًا من الماء إلى سائر المايعات وإنما لم يتعد تطهير الحديث إليها مع معقولية هذه لا بالقياس لأن تعدية في الخبث كان لمعنى القلع لا لكونه تطهيرًا والحكمي لا يوصفى بالفعل ولا بالدلالة لأنها ليست كالماء في الكثرة والإباحة ففيها حرج.

والتحقيق أن تطهير الحدث بولغ فيه ليقوم مقام التطهير الشامل حتى للباطن أيضًا حكمًا فاختص بالماء المخلوق لذلك بخلاف الخبث هذا ولو سلم أن سراية الحديث إلى جميع البدن غير معقولة فإنما عديت إلى غير السبيلين في ضمن تعدية زوال الطهارة بخروج النجاسة ولو عن المخرج فقط كتعدية الاقتصار على الوظائف الأربع في ضمن تعدية حصول الطهارة باستعمال الماء فظهر من هذا التدقيق الفروق الثلاثة أعنى بين الوضوء والتيمم ومسحيهما بالمعقولية وافترقا في شرط النية وبين الحدث والخبث وافترقا في استعمال المايعات وظهر التوفيق بين الشيخين واندفاع ما يرد عليهما من الشبهتين.

فإن قلت للشافعى رضي الله عنه طرق أخرى في اشتراط النية:

١ - أن الوضوء قربة وكل قربة يشترط فيها النية ليتحقق الإخلاص ولتتميز العبادة عن العادة.

قلنا لا نعلم أن كل وضوء قربة.

قيل لأن كل وضوء شرط وكل شرط مأمور به لأن اشتراطه بالأمر وكل مأمور به قربة.

قلنا: لا نعلم لأن كل شرط مأمور به فقد ينوب عن المأمور به كالسعى إلى المسجد لا للجمعة قد ينوب عنها سعيها ولئن سلم فلا ثم أن كل مأمور به قربة وإنما يكون قربة لو كان الإتيان به من حيث هو مأمور به كما مر في بحث الحسن ومبناه أن الشرط يعبتر وجوده كيف ما كان لا وجوده قصدًا كسائر الشروط.

<<  <  ج: ص:  >  >>