للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأولا لاحتمال السماع والتوقيف لأن الظاهر أن لا يجعل فتواهم وهم مضاجعوهم ليلًا ونهارًا منقطعة عن السماع إلا بدليل.

وثانيًا: أن الغالب إصابتهم في الرأى لمشاهدتهم طريقه عليه السلام وأحوال نزول النصوص ومحال تغير الأحكام ولمزيد بذل جهدهم في طلب الحق وضبط الأدلة والتأمل فمها ولفضل درجة لهم ليس لغيرهم بالأحاديث فيعود إما إلى النص أو القياس.

وقال الكرخي وجماعة من أصحابنا وعليه أبو زيد رضي الله عنه يجب تقليد كل منهم لكن فيما لا يدرك بالقياس {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: ١٠٠] فاستحقاق التابعين المدح إنما هو على اتباعهم والخبر أصَحابي كالنجوم لا فيما يدرك به لأن الظاهر في ذلك حكمهم بالرأى وهم في احتمال الخطأ كسائر المجتهدين للخلاف بينهم ورجوعهم عن الفتوى وتجويزهم بالخطأ لأنفسهم.

أما فيما لا يقاس فلا بد من حجة تقليد بها التمسك بالحقيقة.

قيل لو صح لزم الصحابي العمل به ولوجب تقليد التابعين على من بعدهم وهكذا بعين هذا.

قلنا لا نعلم اللزوم الأول لاحتمال سماع النص الراجح والناسخ له ولا الثاني لعدم احتمال السماع فيهم ومبناه عليه ذلك ولئن سلم فملتزم فيمن زاحمهم فتواه.

ومن العلماء من قلد الخلفاء الراشدين وأمثالهم كابن مسعود وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم لقوله عليه السلام: "عليكم بسنتي وبسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (١) ومدحه عليه السلام أمثالهم ومنهم من قلد الشيخين فقط لقوله عليه السلام: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".

قيل على الدليلين المراد المقلدون لأن الخطاب للصحابة وليس قول بعضهم حجة على بعض بالإجماع.

قلنا المعهود في خطاب العام إرادة جميع الأمة وهو الظاهر من بعثه إلى الكافة كما في وما آتاكم الرسول فخذوه وعليكم بسنتى واقتداء الكل إنما يتحقق باقتداء المجتهدين أولًا والمقلدين بواسطهم وإنما لم يجز التقليد فيما بينهم لأنهم بصدد تقليد النبي عليه السلام


= للإسنوى (٤/ ٤٠٨)، البرهان لإمام الحرمين (٢/ ١٣٥٨)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت
(٢/ ١٨٦)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٤٢٢)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص/ ٢٢٩)
بتحقيقنا.
(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>