للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول، فنزل عنها، وذلك في بني النجار- أخواله- صلى الله عليه وسلم. وكان من توفيق الله لها، فإنه أحب أن ينزل على أخواله يكرمهم بذلك، فجعل الناس يكلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في النزول عليهم، وبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله، فأدخله بيته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المرء مع رحله، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته، وكانت عنده «١» .

وفي رواية أنس عند البخاري، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أي بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا رسول الله، هذه داري، وهذا بابي: قال: فانطلق فهيء لنا مقيلا، قال: قوما على بركة الله «٢» .

وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر «٣» .

قالت عائشة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال، فدخلت عليهما فقلت: يا أبه كيف تجدك، ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي أذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل

قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة» «٤» .

إلى هنا انتهى قسم من حياته صلى الله عليه وسلم، وتم دور من الدعوة الإسلامية، وهو الدور المكي.


(١) رحمة للعالمين ١/ ١٠٦، زاد المعاد ٢/ ٥٥.
(٢) صحيح البخاري ١/ ٥٥٦.
(٣) زاد المعاد ٢/ ٥٥.
(٤) صحيح البخاري ١/ ٥٨٨، ٥٨٩.

<<  <   >  >>