للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترون.

وعن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - قال: رأيت على باب مالك دوآباً من فراس خراسان جاءته هدية مني إليك، وقيل: من مصر ما رأيت أحسن منها، فقلت له: ما أحسن هذه الدوآب فقال: هي هدية مني إليك دع لنفسك منها دآبة تركبها، فقال: إني لأستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بحافر دآبة حملت به أمه ثلاث سنوات، وكان يمنع من الصلاة بعد العصر فدخل يوماً الجامع فقال له: قم فاركع ركعتين، فقام وصلى، فقيل له: كيف خالفت مذهبك؟ فقال: خشيت أن أكون من الذين قيل لهم: اركعوا ولا يركعون، وكان نقش خاتمه: حسبي الله ونعم الوكيل.

ولما حضرته الوفاة تشهد ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد، وكانت وفاته سنة سبع وسبعين ومائة بالمدينة، عن خمس وثمانين سنة، ودفن بالبقيع وهو أحد الائمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة المشهورة.

وثانيهم إمام الأئمة الإمام الشافعي اسمه: محمد بن إدريس، أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً» (١)

، كما قاله العلماء من المتقدمين وغيرهم لأنه


(١) رواه ابن أبي عاصم في السنة (٢/٦٣٧، رقم ١٥٢٢) عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً بلفظ: «لا تسبوا قريشاً، فإن علم عالمها يملأ الأرض علماً» .
وأخرجه الطيالسي (ص: ٣٩، رقم ٣٠٩) وفيه زيادة في آخره، وكذا أخرجه الشاشي في مسنده (٢/١٦٩، رقم ٧٢٨) .
والحديث ضعيف فيه: النضر بن حميد الكندي يرويه عن أبي الجارود عن أبي الأحوص عن ابن مسعود، ترجم له العقيلي في الضعفاء (٤/٢٨٩، ترجمة ١٨٨٣) وروى حديثه هذا.
ولكن للحديث شواهد كلها تؤكد أنه حديث حسن فقد رواه أحمد بصيغة التمريض تحرزاً من ضعفه كما نقل عنه ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق (٥١/٣٣٩) قال: روي عن أحمد بن حنبل أنه قال: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت: فيها يقول الشافعي لأنه إمام عالم من قريش وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علماً» وروى أحمد بن حنبل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: ولا يتصور أن الأمام أحمد بجلالته في الحديث أن يستشهد بحديث موضوع، وقد ناقش هذه القضية العجلوني في كشف الخفا (٢/٦٩) وقال: قال الحافظ العراقي: ليس بموضوع كما زعم الصغاني إذ كيف يذكر الإمام أحمد حديثاً موضوعاً يحتج به، أو يستأنس به للأخد في الأحكام بقول شيخه الإمام الشافعي، وإنما أورده بصيغة التمريض احتياطاً للشك في ضعفه، فإن إسناده لا يخلو عن ضعف.
وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقه في كتاب سماه: «لذة العيش في طرق الأئمة من قريش» وبه يعلم أنه حسن وصرح بذلك الترمذي ونقله النجم عن المدخل للبيهقي عند أحمد بلفظ: «عالم من قريش يطبق الأرض علماً» ثم قال: ورواه الحاكم والأبدي كلاهما في المناقب عن علي بلفظ: «لا تؤموا قريشاً وأئتموا بها ولا تقدموا على قريش وقدموها، ولا تعلموا قريشاً وتعلموا منها، فإن أمانة الأمين من قريش تعدل أمانة اثنين من غيرهم، وإن علم عالم قريش يسع طباق الأرض» وفي رواية الأبدي: «فإن علم عالم قريش مبسوط على الأرض» .
ورواه القضاعي عن ابن عباس بلفظ: «اللهم اهد قريشاً فإن علم العالم منهم يسع طباق الأرض، اللهم أذقت أولها نكالا فأذق آخرها نوالاً» ورجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن مسلم ففيه مقال.
وللحديث شواهد أخرى وكلها تنطبق كما قال العجلوني نقلاً عن الإمام أحمد تنطبق على إمامنا الشافعي.
قال البيهقي وابن حجر: طرق هذا الحديث إذا ضمت بعضها إلى بعض أفادت قوة وعلم أن للحديث أصلاً. انظر: كشف الخفا (٢/٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>