للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السؤال الثاني: فإن قيل: كيف وقع «جذعاً» هنا منصوباً وليت عملها تنصب الاسم وترفع الخبر، وجذعاً خبرها؟

أجيب عنه بأجوبة:

الأول: أنه منصوب بليت بناء على نصبها الجزئين كما في قول الشاعر: «يا ليت أيام الصبا» وهو قول الكسائي.

والثاني: أنه منصوب على الحال وخبر «ليت» فيها، وهذا القول للقاضي عياض والسهيلي، وقال النووي: أنه الصحيح الذي اختاره المحققون، وقيل: محذوف تقديره: يا ليتني فيها أو موجوداً في حال فتوة.

الثالث: أنه منصوب على أنه خبر كان مقدر أي: ليتني كنت فيها جزعاً، يؤيده قوله بعده: «ليتني أكون حياً» قاله الخطابي (١) ، ورد بأن كان الناقصة إنما يطرد حذفها بعد إن ولو.

الرابع: ليت أتمنى فنصب الجزئين قاله الفراء، ورد بأنه راجع للأول.

ثم قال ورقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - «ليتني كنت حياً إذ يخرجك قومك» استعملت «إذ» هنا موضع «إذا» للاستقبال، من باب تنزيل المستقبل المقطوع بوقوعه منزلة الماضي الواقع (٢) .


(١) هو: حمد بن محمد بن إبراهيم ابن الخطاب البستي، أبو سليمان، فقيه محدث، من أهل بست، من بلاد كابل، من نسل زيد بن الخطاب، أخي عمر بن الخطاب له: معالم السنن شرخ فيه سنن أبي داود وبيان إعجاز القرآن، وإصلاح غلط المحدثين، وغريب الحديث، وشرح البخاري في كتاب أسماه: تفسير أحاديث الجامع الصحيح للبخاري، وله شعر أورد منه الثعالبي في اليتيمة نتفاً جيده، وكان صديقاً له، توفي في بست في رباط على شاطئ هيرمند سنة: ٣٨٨هـ‍.
(٢) في هذا المقام لمحة لغوية لطيفة أوردها ابن حجر في الفتح (١/٧٩) فقال: قوله: «إذ يخرجك» قال ابن مالك: فيه استعمال «إذ» في المستقبل كإذا، وهو صحيح، وغفل عنه أكثر النحاة، وهو كقوله تعالى: ?وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ? [مريم: ٣٩] هكذا ذكره ابن مالك وأقره عليه غير واحد.
وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام: بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده، وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا: استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته، ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير «حين يخرجك قومك» وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز، وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز، ومجازهم موسى، لما ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضي، تحقيقاً لوقوعه أو استحضاراً للصورة الآتية في هذه دون تلك مع وجوده في أفصح الكلام، وكأنه أراد بمنع الورود ورودا محمولاً على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال.
وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير، لأن ورقة تمنى أن يعود شاباً، هو مستحيل عادة.
ويظهر لي أن التمني ليس مقصوداً على بابه، بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به.

<<  <  ج: ص:  >  >>