للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما قال ذلك قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أو مخرجي هم؟» هذا استفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنه استبعد - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوه من حرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن منه فيما مضى ولا فيما سيأتي سبب يقتضي إخراجاً، بل كانت منه المحاسن الظاهرات والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله بأعلى الدرجات، أنفسنا له الفداء - صلى الله عليه وسلم -.

فلما قال: «أو مخرجي هم (١) ؟ قال له ورقة: نعم لم يأت رجل قط مثل ما جئت به إلا عودي (٢) » يعني: أن أهل الحق لا يخلون من أهل الباطل يعادونهم ولله در القائل:

إن العرانين تلقاها محسدة ......ولا ترى للئام الناس حساداً

«وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً» أي: إن بقيت إلى يوم انتشار نبوتك أو يوم يخرجك قومك أنصرك نصراً قوياً بليغاً.

«ثم لم ينشب ورقة» أي: لم يلبث (٣) .


(١) قال ابن حجر في الفتح (١/٧٩) : قوله: «أو مخرجي هم» بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج، فهم مبتدأ مؤخر، ومخرجي خبر مقدم، قاله ابن مالك، واستبعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوه، لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج، لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها. وقد استدل ابن الدغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يخرج.
(٢) قال ابن حجر في الفتح (١/٧٩) : قوله: «إلا عودي» وفي رواية يونس «إلا أوذي» فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم، ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك، وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة من ثم، وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام.
(٣) قال ابن حجر في الفتح (١/٨٠) : قوله: «ثم لم ينشب» بفتح الشين المعجمة أي: لم يلبث. وأصل النشوب التعلق، أي: لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات.
وهذا بخلاف ما في السيرة لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب، وذلك يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة، وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام.
فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح، وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال: الواو في قوله: وفتر الوحي، ليست للترتيب، فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكراً بعد ذلك في أمر من الأمور، فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع.
وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان - صلى الله عليه وسلم - وجده من الورع، وليحصل له التشوف إلى العود، فقد روى البخاري في كتاب التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>