بصري فإذا الملك الذي جاء بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت فرجعت فقلت: زملوني زملوني فأنزل الله - عز وجل - ?يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ? [المدثر: ١ - ٥] .
«فحمي الوحي وتتابع» أي: كثر نزوله بعد ذلك وازداد.
قوله «وتتابع» تأكيد «لحمي» لأنه بمعناه.
وفي هذا الحديث دلالة على أنه سبحانه وتعالى أقدر الملائكة على التشكل والتصور بصور مختلفة من صور بني آدم وغيرهم، وأن لهم صوراً في أصل خلقهم مخصوصة بهم من بني آدم، وأن الله جعل الهواء لهم يتصرفون فيه كيف شاءوا، كما جعل الأرض لبني آدم يتصرفون فيها كيف شاءوا وهو ممسكم في الهواء بقدرته كما أنه سبحانه يمسك السماء أن تقع على الأرض بقدرته وقول الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم - ?يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ? لاطفه في الخطاب من الكريم إلى الحبيب، إذ ناده بحاله وعبر عنه بصفته، ولم يقل له يا محمد أو يا فلان، ليتشعر الملاطفة من ربه - عز وجل - ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي لما خرج من بيته مغاضباً لفاطمة رضي الله عنها وجاء إلى المسجد ونام فيه فسقط رداءه وأصابه ترابه فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أصابه التراب فقال له ملاطفاً ومسكناً لغضبه:«قم يا أبا تراب» ، وكان أحب الأسماء إلى علي - رضي الله عنه -.
ومعنى الآية: قم يا ذا الذي قد تدثر أي: تعطي بثيابه ونام، وأصل المدثر المتدثر، فإذا أدغمت التاء في الدال لتجانبها.
?قُمْ فَأَنذِرْ? أي: خوف أهل مكة وحذرهما العذاب إن لم يسلموا وقيل معنى أنذر: أعلمهم بنبوتك وقيل معناه: أدعهم إلى التوحيد.
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي: عظم سيدك ومليكك ومصلح أمرك أي: صفه بأنه أكبر من أن تكون له صاحبة وولد.
قيل لما نزلت هذه الآية قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر فكبرت خديجة وعلمت أنه الوحي من الله تعالى.
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ?وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ? على أقوال ثمانية: فقيل: المراد بالثياب: العمل، أي: عملك فطهر فأصلح، فإن العرب كانت تقول إذا كان الرجل خبيث العمل فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا فلان طاهر الثياب.
وقيل: المراد بالثياب القلب، أي: قلبك فطهر من الإثم والمعاصي أي: فطهره من