ويحزن لمسرته، والعداوة وقد تكون من الجانبين وقد تكون من أحدهما، نعم لنا صورة تصح فيها شهادة العدو على عدوه، وهي ما كان بينهما عداوة دينية كشهادة المسلم على الكافر، والسني على المبتدع، فإن البغض لله ليس قادحاً في الشهادة فيمن أبغضته لفسقه قبلت شهادتك عليه، وأما الشهادة للعدو فأنها تقبل إذا لم يبغضه لعدم التهمة، والفضل ما شهدت به الأعداء.
قال أبو سفيان:«ثم كان أول ما سألني عنه هرقل على لسان الترجمان أن قال: كيف نسبه فيكم» يعني هل من أشرافكم «قلت: هو فينا ذو نسب» أي: صاحب نسب عظيم.
«قال» أي: هرقل «فهل قال هذا القول منكم أحد قط» يعني هل أدعى النبوة من قومكم قريش أو العرب أحد قط قبله؟ «قلت: لا» .
«قال: فهل كان من آبائه من ملك» أي: من تولي الملك «قلت: لا» .
«قال: فأشراف الناس» أي: كبارهم وأهل الأحساب منهم «اتبعوه أم ضعفاءهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم» .
قول أبي سفيان أن الضعفاء اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - دون الأكابر نظراً إلى غالب أتباعه، فلا يشكل بمن سبق إلى أتباعه من أكابر أشراف دينه كالصديق والفاروق وحمزه وغيرهم، وإنما كان أتباع الرسل الضعفاء دون الأشراف، لأن الأشراف يأنفون من تقديم مثلهم عليهم والضعفاء لا يأنفون بل يسرعون إلى الانقياد أتباع الحق.
«قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد منهم أحد سخطة لدينه» أي: كرهه له بعد أن يدخل فيه، «قلت: لا» أي: لا يرتد أحد منهم لأجل كراهته لدين الإسلام بل إما مكرهاً وإما رغبة في غيره لحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن حجش.
وارتد بعد الصحابة أيضاً جماعة لحظ نفساني كما يحكى أن مؤذناً أذن في منارة أربعين سنة فصعد يوماً وأذن حتى بلغ حي على الصلاة فوقع بصره على امرأة نصرانية