وإذا أردت الزيادة فنقول لك: يدل على ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: ?وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً? [النساء: ١١٣] ، والحكمة التي في الآية هي السنة، قال الشافعي في الرسالة (ص: ٤٥) : فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتفسير الحكمة بالسنة نقله الشافعي عن أئمة ارتضاهم في تفسير القرآن الكريم، وقد روي هذا التفسير تفسير الحكمة بالسنة عن الحسن وقتادة. انظر: الدر المنثور (١/١٩٣) ، والخطيب في الفقية (١/٨٨) . وتوجد آيات أخر تفيد أن السنة وحي من الله - عز وجل - وينضم إليها أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تؤكد ذلك، فقد روى أبو داود في سننه (٤/٢٠٠، رقم ٤٦٠٤) ، والمروزي في السنة (١/٧٠، رقم ٢٤٤) ، وأحمد في المسند (٤/١٣٠) عن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ... الحديث» . ويوجد غيره من الأحاديث التي نشير إليها بهذا الحديث، وكلها دلالة قاطعة على أن السنة وحي أنزل من عند الله سبحانه وتعالى ولا يجادل في ذلك إلا معاند. والعلماء قسموا الوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - إلى قسمين: الأول: وحي إعلامي، والثاني: وحي إقراري، وللوحي الإعلامي كيفيات متعددة وهي سبع: الكيفية الأولى: أن يوحى إليه بواسطة الإلهام، فيلقي الله في قلبه المعاني، مع العلم اليقيني أن هذا من عند الله سبحانه، وهذه الكيفية هي المراد من قول الحق سبحانه وتعالى: ?وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً? [الشورى: ٥١] ، إذ يقابلها إجمال بقية الكيفيات في قوله بعد ذلك: ?أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ?، وبهذا قال أكثر المفسرين. انظر: السنة النبوية د. عبد المهدي بن عبد القادر (ص: ٢٦) . الكيفية الثانية: أن يكلمه الله سبحانه وتعالى من وراء حجاب، فلا يرى - صلى الله عليه وسلم - ربه، وإنما يسمع كلامه - عز وجل -، مع اليقين بأنه سبحانه يكلمه، وهذا هو مفهوم من قول الله سبحانه: ?وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ? فقوله سبحانه: ?أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ? هي الكيفية المذكورة هاهنا. وتكليم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إما في اليقظة، كما في ليلة الإسراء والمعراج ين فرضت الصلاة، وإما في النوم كما في حديث: «رأيت ربي في أحسن صورة قال: يما يختصم الملأ الأعلى ... الحديث» . رواه الدارمي في الرؤيا (٢/٥١، رقم ٢١٥٥) ، وأخرجه أحمد في المسند عن عدة من الصحابة منهم ابن عباس، ومعاذ راجع المسند (١/٣٦٨) ، (٤/٦٦) ، (٥/٢٤٣) ، (٥/٣٧٨) . وفي بعض الروايات ما هو أصرح من هذا ففيها أنه رأى ربه مناماً. الكيفية الثالثة: الرؤيا الصادقة فيرى - صلى الله عليه وسلم - الشيء في الرؤيا فهذا من الوحي، إذ رؤيا الأنبياء وحي، وهي حق كما جاء في هذا الحديث الذي معنا من هذا الشرح، وقد جاء ذلك مصرحاً به في روايات أخر نحو ما أخرجه البخاري في الصحيح (١/٢٣٨، رقم ١٣٨) عن عبيد بن عمير بن قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن رؤيا الأنبياء وحي» ثم قرأ: ?إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ? [الصافات: ١٠٢] . وما ذكره السيوطي في الدر (٥/٢٨٠) وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رؤيا الأنبياء وحي» . فرؤياه المنامية - صلى الله عليه وسلم - حق لا يعتريها تخييل أو تلبيس، وكذا جميع الأنبياء، تجد هذا جلياً واضحاً في قصة ذبح إبراهيم ولده، وكيف أن ذلك كان بناء على رؤيا منامية، وتجده أيضاً في قصة يوسف، وأن رؤياه الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين قد تحققت بعد سنوات. قال في الفتح (٨/٧١٧) : قال ابن المرابط في تفسير الرؤيا الصالحة: هي التي ليست ضغثاً، ولا من تلبيس الشيطان، ولا فيها ضرب مثل مشكل أي لا يتوقف على تأويله. الكيفية الرابعة: أن يوحى إليه بواسطة الملك، وقد تمثل له الملك رجلا، فيكلمه بما أمر به من الوحي. فأحياناً كان جبريل - عليه السلام - يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صورة دحية الكلبي، فيبلغه عن الله سبحانه وتعالى به. وأخرج حديث إتيان جبريل في صورة دحية الكلبي النسائي في الكبرى (٨/١٠١، رقم ٤٩٩١) ، والبزار في مسنده (٩/٤١٩، رقم ٤٠٢٥) كلاهما من حديث أبى هريرة. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١/٢٦٠، رقم ٧٥٨) ، وفي المعجم الأوسط (١/٧، رقم ٧) من حديث أنس بن مالك. وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان (٥/١٧٥، رقم ٦٢٥٧) من حديث عائشة. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (٢/٧٨٠، رقم ١٨) من حديث شريح بن عبيد. وأخرجه ابن سعد في الطبقات لكبرى (٤/٢٥٠) من حديث ابن عمر ولفظ الجميع: «كان جبرائيل يأتي النبي في صورة دحية الكلبي» . ودحية صحابي جليل شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا بدر، وكان جميل الهيئة. وربما تمثل له الملك شخصاً آخر على نحو ما ورد في الحديث عند مسلم في الصحيح (١/٣٧، رقم٨) عن عمر بن الخطاب قال: «بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً» قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» قال: فأخبرني عن إمارتها؟ قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» قال: ثم انطلق، فلبثت ملياً ثم قال لي: «يا عمر أتدري من السائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» . وهذه الكيفية من أهون كيفيات الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صرح بذلك في الحديث الذي معنا أيضا من رواية البخاري. الكيفية الخامسة: أن يوحى إليه بواسطة الملك ولا يرى الملك، وإنما يعلم بمجئ الوحي بعلامات تدل عليه من دوي كدوي النحل أو كصلصلة الجرس كما في الحديث هنا، فيكلمه الملك بالوحي، وهذه أثقل الكيفيات عليه - صلى الله عليه وسلم - حتى أن عائشة قالت في الحديث: «ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقاً» . ويدل على هذا أيضاً ما عند أحمد في المسند (١/٣٤) من حديث عمر بن الخطاب: «كان إذا نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل ... الحديث» . وفيما يعانية النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي له حكم متعددة، منها: ما يترتب على ذلك من المشقة من زيادة الأجر، ورفعه الدرجات، ومنها: أن يتفرغ - صلى الله عليه وسلم - للوحي وتتفرغ جوارحه لما سيلقى عليه. ومن هذه الكيفية ما أخرجه البخاري في الصحيح (٣/٣٩٣) من حديث يعلى بن أمية أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة، وعليه جبة وعليه أثر الخلوق، وفيه أن يعلى رآه حال نزول الوحي محمر الوجه، يغط كما يغط البكر ... الحديث. الكيفية السادسة: أن يوحى إليه بواسطة الملك، دون أن يرى الملك، ودون أن يكلمه، وإنما يلقي الملك في قلبه - صلى الله عليه وسلم - ما أمر به من الوحي. ومن هذه الكيفية ما أخرجه الحاكم (٢/٤) والشافعي في الرسالة (ص: ٥٣) ، وأبو نعيم في الحلية (١٠/٢٦، ٢٧) عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن روح القدس نفس في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» . الكيفية السابعة: أن يوحى إليه بواسطة الملك، وقد ظهر الملك على صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح كما عند البخاري في الصحيح (٨/٦١٠) ، وفي رواية أخرى عند النسائي وابن مردوية كما في الفتح (٨/٦١١) : «له ستمائة جناح يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت» ، وغيرهما من الروايات في أوصاف جبريل - عليه السلام -. ومن هذه الكيفية رؤيتة - صلى الله عليه وسلم - جبريل في ليلة المعراج على صورته التي خلقه الله عليها، وفي هذه الليلة أبلغه عن الله ما أبلغه وأجابه ورافقه. فهذه هي كيفيات الوحي الإعلامي، ورأينا أن منها ما هو بدون ملك، ومنها ما فيه ملك، ومنها ما يكون في اليقظة، ومنها ما يكون في النوم، والصفة العامة في كل هذه الكيفيات أنه - صلى الله عليه وسلم - يحدث عنده علم يقيني بأن هذا من الله - عز وجل -. والوحي الإقراري وهو القسم الثاني من أقسام الوحي فهو: أن يجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر فيسلك فيه مسلكاً ما، فإن كان صواباً أقره الوحي، وإن كلن غير صواب نبهه الوحي، وحينئذ يكون إعلامياً، فالوحي التقريري هو: ما أقر الله سبحانه وتعالى نبيه فيه على صواب فعله من تلقاء نفسه. وما صدر منه - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو إقرار دائر بين حالين: الأول: حال الإيحاء، والثاني حال عدم الإيحاء. فأما الأول بأن يوحي الله إليه بالأمر ابتداء فيمثل، أو يوحي إليه انتهاء ليعرفه سبحانه ما يتفق وشريعته، ومثاله ما في حديث أسرى بدر، وهذا الحال الكثير الغالب، فكثيراً ما ابتدأه الوحي، وربما سئل عن الشيء فسكت حتى جاءه الوحي، كما في حديث المتلاعنين وهو عند البخاري في الصحيح (٦/٢٦٦٣، رقم ٦٨٧٤) عن سهل بن سعد الساعدي، وسئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الروح فسكت حتى أخبره الوحي. أخرجه البخاري (١/٥٨، رقم ١٢٥) ، وسئل عن توزيع التركة فسكت حتى نزلت آية الميراث. أخرجه البخاري (٦/٢٦٦٦، رقم ٦٨٧٩) في باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا بقياس. وواضح من ترجمة البخاري لهذا الباب تأييداً لما قد قلناه أن هذا هو غالب حالته - صلى الله عليه وسلم -، ولو راجعت هذا الباب لاستقر ذلك، فراجعه إن شئت، وكل هذا أيضاً يثبت أن السنة وحي أنزل من عند الله. الحال الثانية: حال عدم الإيحاء، وذلك يتحصل بتركه - صلى الله عليه وسلم - وشأنه فيتصرف صواباً فيقره الله سبحانه وتعالى على ذلك. وهذا الحال من مستلزمات سلامة الدين، فما كان الله - عز وجل - ليترك خطأ يصر من رسوله المبلغ عنه، مما يترتب عليه وقوع الأمة فيه اتباعاً، وإذا كانت الحكمة من إرسال الرسل أن لا تكون للناس على الله حجة، فإن ذلك إنما يتم بعصمة هذا الرسول المبلغ عن ربه من الوقوع في أي خطأ وإلا نبهه، كما في حديث أبي قتادة أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول - صلى الله عليه وسلم -: «وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر» ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف قلت؟» ، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدَّين فإن جبريل - عليه السلام - قال لي ذلك» . ولقد كان معلوماً لدى الصحابة أن إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إقرار من الله سبحانه وتعالى، وأنه لو حدث أمر يخالف الإسلام لجاء الوحي فأنكر عليهم ذلك، ولقد كانوا أن الوحي قريب وكثير، فلن يترك أمراً مخالفاً يمر، فما أقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون وحي فإنما هو من الإسلام وإلا جاء الوحي. ومجمل القول أن السنة وحي من الله - عز وجل - إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الوحي منه إعلامي وله كيفيات متعددة، ومنه إقراري يقر الله نبيه على تصرف تصرفه صواباً، وقد كان الوحي يراقب تصرفات الأمة أيضاً، فينبه على ما ارتكبوه من أخطاء يظنونها صواباً أو لم يعرفوا مخالفتها، أما ما عرفت مخالفته ووقع فيه فاعله مدركاً تقصيره وعالماً حكمه فهذا ليس داخلاً في دائرة الوحي، وهذا من رحمة الله بالأمة. قال الشاطبي في الموافقات (٤/٥٢) : كل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خبر فهو كما أخبر، وهو حق وصدق معتمد عليه فيما أخبر به عنه سواء علينا أنبني عليه في التكليف حكم أم لا، كما أنه إذا شرع حكماً أو أقر أو نهى فهو كما أخبر به الملك عن الله، وبين ما نفث في روعه وألقي في نفسه، أو رآه رؤية كشف، أو اطلاع على مغيب على وجه خارق للعادة، أو كيف ما كان، فذلك معتبر يحتج به، وينبني عليه في الاعتقادات والأعمال جميعاً، لأنه - صلى الله عليه وسلم - مؤيد بالعصمة وما ينطق عن الهوي. انظر في هذا الموضوع بإسهاب: السنة النبوية (٢٦ – ٣٣) تأليف الدكتور: عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي. (٢) السخاوي هو: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين، ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم وهو صغير وصلى به في شهر رمضان، وحفظ عمدة الأحكام والتنبيه والمنهاج وألفية ابن مالك وألفية العراقي وغالب الشاطبية والنخبة لابن حجر وغير ذلك وكلما حفظ كتابا عرضه على مشايخه، وبرع في الفقه والعربية والقراءات والحديث والتاريخ، وشارك في الفرائض والحساب والتفسير وأصول الفقه وغيرها. ومسموعاته كثيرة جداً لا تكاد تنحصر، وأخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس، وأذن له غير واحد بالافتاء والتدريس والاملاء وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني ولازمه أشد الملازمة وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره، وأخذ عنه أكثر تصانيفه وقال عنه: هو أمثل جماعتي وأذن له، وكان بينه وبين النبي عشرة أنفس وحج بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم كالبرهان الزمزي وغيره، ثم حج سنة سبعين وجاور وحدث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها ثم حج في سنة خمس وثمانين وجاور سنة ست وسبع وأقام منهما ثلاثة أشهر، وفي يوم الأحد وقت العصر الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة ثمانمائة واثنين حال مجاورته الأخيرة بها وعمره إحدى وسبعون سنة وصلي عليه بعد صلاة الصبح يوم الاثنين ثاني تاريخه بالروضة الشريفة ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك. انظر: شذرات الذهب (٤/١٥) ، والنور السافر (١/١٨) . (٣) البيهقي: هو الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، أحد أعلام المحدثين الفقهاء، توفي سنة (٤٥٨هـ) . انظر: طبقات الشافعية (٤/٢١٤) ، وتذكرة الحفاظ (٣/١١٣٢) ، والبداية والنهاية (١٢/٩٤) . (٤) هو: أبو الفضل، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد الطولوني، المصري، الشافعي، عالم مشارك في العلوم ولد ونشأ في القاهرة يتيما، فقيه، محدث، أصولي، مفسر، له تصانيف كثيرة ورائعة منها: جمع الجوامع، والجامع الكبير، والإتقان وغيرها الكثير كانت وفاته سنة (٩١١هـ) ، والسيوطي من شيوخ المصنف الذين نقل عنهم كثيراً. انظر: الضوء اللامع (٤/٦٥) ، وشذرات من ذهب (٨/٥١) ، والبدر الطالع (١/٣٢٨) . (٥) هو: الشيخ عز الدين عبد العزيز عبد السلام الدمشقي السلمي، كان شيخاً للإسلام عالماً ورعاً زاهداً، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، قرأ الفقه على ابن عساكر، والأصول على الشيخ الآمدي، وولي خطابه دمشق فتعرض على سلطان في خطبته لأمر كان فحصل له تشويش انتقل بسببه إلى مصر فأكرمه ملك مصر وولاه خطابة الجامع العتيق والقضاء بها، واستقر بتدريس الصالحية بالقاهرة، وكان الحافظ زكي الدين مدرساً بالكاملية فامتنع من الفتوى مع وجوده، وكان كل منهما يأتي مجلس الآخر واستفاد منه ولم يزل مدرساً بالصالحية إلى أن مات في عاشر جمادي الأولى سنة ستين وستمائة. انظر: طبقات الفقهاء (١/٢٦٧) ، وشذرات الذهب (٣/٣٠١) ، طبقات الشافعية (٢/١٠٩، ترجمة: ٤١٢) ، وطبقات الشافعية الكبرى (٨/٢٠٩، ترجمة: ١١٨٣) ، وطبقات المفسرين (١/٢٤٢، ترجمة: ٢٩٠) .